كانت المواطنة كواحدة من ركائز الدولة المدنية ، بل لنقل الركيزة الأولي علي رأس اهتمامات التيار العلماني، وترجم هذا في المؤتمر الأول للتيار، إذ كان المحور الأول فيه يحمل عنوان "الكنيسة والوطن؛ الأقباط علي أرضية المواطنة" وقدمت فيه أوراق أثارت العديد من ردود الأفعال الإيجابية، فتحت الباب أمام الاقتراب من قضية محورية وحساسة لم تكن مطروحة قبلاً. وتظل المواطنة وتكريسها كنسق حياتي في الشارع هاجساً يؤرق التيار العلماني فيأتي مؤتمره الثالث حاملاً عنوان "نحو تأصيل ثقافة المواطنة ؛ المواطنة الكاملة من أجل مجتمع العدل والرفاهية"، وكانت المواطنة الثقافة والتفعيل تشكل قاسماً مشتركاً في كل توصيات مؤتمرات التيار العلماني السنوية. ويأتي خيار الدولة المدنية علي قمة المطالب الملحة والآنية في سياق اللحاق بركب التطور والتنمية والوقوف في صف الدول المتقدمة، كأحد معطيات الحداثة والتطور الطبيعي لشكل الدولة، وهي تقوم علي ركائز أساسية لعل أهمها سيادة القانون والمساواة والعدالة، وقاعدتها المواطنة. والمواطنة بحسب التعريفات المختلفة لها تتأسس علي التساوي المطلق بين الأفراد في الحقوق والواجبات ومن ثم تتأكد فيها الشعور الشخصي والجمعي بالانتماء للوطن في اطار الموروث التاريخي المشترك والمصالح الكلية المشتركة وكذا المسئولية عن حماية سلامة أرض وكيان ومصالح ومستقبل هذا الوطن. وفي هذا المعني نجد أن حقوق المواطنة في مفهوم الدولة الحديثة لا تتضمن فقط حقوق الإنسان بل وتتجاوزها الي ما هو أعمق من خلال الرابطة العضوية بين المواطن والوطن. لكن هذا كله يبقي تنظيراً مريحاً للنخبة المثقفة ونظيرتها السياسية، ويعاني من الانفصال عن الواقع مادامت لم تتحرك وتسعي المؤسسات السياسية الفاعلة في المجتمع إلي خلق آليات تعيد الحياة الي المشاركة الشعبية في الفعل السياسي، والتي ضمرت بفعل الاستبعاد المتواتر لها منذ 52 عندما تبنت حكومات الثورة المتعاقبة النهج الأبوي في ادارتها للوطن، وقد يفسر هذا شعور اليتم الذي لف الشارع المصري لحظة رحيل الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر. وهو ما انتج في مرحلة لاحقة الارتماء في حضن التوجه الديني للاحتماء به من حالة الفراغ التي آل اليها الشارع المصري وقتها والذي تحول الي حالة من التطرف بفعل غياب العمل السياسي القادر علي تفعيل المشاركة الشعبية السوية والفاعلة، حتي قيل إن اكبر حزبين هما حزبا الجمعة والأحد في اشارة إلي قدرة المنابر الدينية علي توجيه الشارع والتأثير فيه، وفشل المنابر السياسية في هذا. ولعل البداية تنطلق من التأكيد علي الخيار الديمقراطي ليس فقط في حقل حرية التعبير والذي يراهن عليه كثيرون ويكتفون بمظاهره الهشة، ولكن في شيوع ثقافة الديمقراطية في العلاقات بين الناس وبعضهم في المعاملات اليومية والمؤسسة علي احترام القانون، وهو أمر يتطلب مقاومة التمايز العملي وليس النصي أمام القانون من خلال المراقبة الجادة، والمحاسبة الحاسمة للمؤسسات ذات الصلة، خاصة السلطة التنفيذية وربما بأكثر تحديداً منظومة الإدارة المحلية بدءاً من الحي وصولاً للمحافظة، ومنظومة الأمن بدءاً من فرد الحراسة ومروراً علي نقاط التفتيش بمختلف نوعياتها إلي قسم الشرطة ومدريات الأمن، وتفعيل المبادئ الإدارية الأولية المتمثلة في المتابعة والتقييم والقياس علي المستهدف ومن ثم التقويم. الأمر الذي سيؤدي إلي شيوع ثقافة المساواة المدعومة بقيم العدالة لدي المواطن البسيط فيبدأ مشوار الانتماء الذي يجُب كل صور اللامبالاة والسلبية تباعاً.