ها هو عالم المال قد أطل بوجهه القبيح ليفصح عن نواياه في مهنة الصحافة.. المهنة التي دفع بعض الصحفيين، في زمن مضي - حياتهم فداء لها لتبقي منارة للرأي تكشف كل فساد يظهر في أي مكان علي أرض الوطن.. رأس مال نيته الدفينة غير التي يعلنها.. رائحته التي تملأ المكان غير التي يحاول نثرها في كل ارجاء المكان.. جرائد الرأي والخبر والمقال تباع لمن يدفع اكثر دون الاخذ في الاعتبار سياسة او توجه او خط فكري تنتهجه الجريدة.. صاحب رأسمال مالك يدفع عشرات الملايين.. وصحفي كاتب يقبض مئات الآلاف.. وكل من الجانبين له هدفه الخفي الذي لا يعلنه. وبين الجانبين سقطت صحيفة وهوت معها أحلام شباب صغار يخطون أولي خطواتهم المهنية في عالم الكلمة المطبوعة.. شباب ذاكروا ودرسوا أسس علم الصحافة في دراساتهم الجامعية، ثم استوعبوا وحفظوا تاريخ الصحافة المصرية وأعلامها الذين دافعوا عن المهنة لتظل حية لها احترامها بين مهن ابناء الشعب المختلفة.. وما قرأوه في الكتب لم يجدوه امامهم عقب ان طوي كل منهم ضفتي كتابه ليبدأ حياته العملية كفرد جديد في بلاط صاحبة الجلالة.. وجدوا صاحبة جلالة بدأ عرشها يهتز من ضربات متلاحقة عنيفة وقاسية تلقتها من "صرة" المال الجامدة التي لا يعرف صاحبها الرحمة الا اذا عادت محتضنة صرة اخري معها مكسب "للعملية".. واكتشفوا مرتبات خيالية في "صرة" أخري لزملاء لهم في نفس المهنة هم فقط أكبر منهم سناً وأكثر خبرة.. فما هو موقفهم الآن وهم محتجزون بين الجانبين.. إذ كيف سينظرون الي "الاستاذ" وهو يوصيهم ببذل المزيد من الجهد في البحث عن الانفراد بالخبر من هنا وهناك مع عدم التضحية بحريتهم الصحفية والمحافظة عليها وكل ذلك لقاء المائتي جنية مرتباً شهرياً لا يكاد يكفي أجر الانتقال بين مقر الجريدة ومنزل الاقامة، بينما هو يقف قبلهم امام نفس شباك الخزينة ليقبض منها عشرات الآلاف اول كل شهر.. ام سيعرضون عن النظر الي الاستاذ وسيتجهون قبلة الممول صاحب الجريدة ليحذرهم في كتاباتهم الصحفية بالتزام لكل منهم عدم إثارة الغبار حول اي مصدر خبري لهم قد تكون بينه وبين ممولهم علاقة مصلحة، وهل سيخضعون لطلبه ام ستغلب عليهم مهنيتهم التي توشك علي الخروج الي النور.. هكذا وجد شباب الصحفيين انفسهم وهم الذين يمثلون مستقبل الصحافة محاصرين بين جانبين.. جانب المالك وجانب الكاتب .. وكل منهما له "صرته" التي يقاتل من اجلها، وتبخرت نغمة حرية الصحافة التي تمسك كل من الجانبين في تصريحاته لوسائل الاعلام المختلفة بمهمة الدفاع عنها والمحافظة علي بقائها عنواناً أساسياً ودستورًا قائما للجريدة ومنهاجاً مستقيماً للعمل. ولسوف تنتهي تلك الازمة التي عصفت بجريدة الدستور، إن عاجلاً او آجلاً، و سوف يفوز كل من الجانبين فوزه الذي سعي، سواء كان ذلك الفوز علي شكل زهو اعلامي شغل به الرأي العام فترة من الزمن وتردد اسمه وظهرت صورته وسمع صوته في وسائط الاعلام المختلفة فاصبح معلوماً بعد ان كان مجهولاً.. او كان ذلك الفوز علي شكل صرة تعويضية من قطع المعدن النقدية ذات الرنين الساحر الخلاب. وما الخاسر في تلك المعركة الا مهنة شقيت ببعض أبنائها فاهينت كرامتها وتعري جسدها بنزاع اصحابها بين مالك و كاتب.. وما اكثر الخاسرين الا مجموعة الشباب الناهض الذي كان يملك حلماً حوله النزاع الي كابوس اطبق علي صدورهم الغضة التي كانت تتمني تنفس هواء نقي فشمت روائح حريق مواثيق الشرف المهني التي طالما قرأوا عنها في كتب الدراسة. كل من المالك والكاتب فاز وحصل علي "صرته" التي سعي اليها.. صرة زهو أو صرة نقد.. إلا شباب الصحفيين الذين خسروا الحلم.. حلم المقال الصحفي المحترم كما درسوه في كتب العلم.. حلم النقد الإيجابي البناء كما تعلموه من أساتذة علم الصحافة في مدرجات العلم والدرس.. حلم البحث والتنقيب بين اوراق الوطن التي طويت صفحاتها ليسطروا هم صفحات المستقبل الذي يتمنون، أولئك الشباب هم الاولي برعاية نقابة الصحفيين، حتي وإن لم يكونوا مقيدين بجداول القيد فيها.. فورقة انتسابهم الي بيت الصحفيين ليست هي ورقة شئون العاملين الصادرة من مقر جريدتهم.. انما ورقة الانتساب الي البيت هي صفحة المقال و عمود الرأي وأسطر الحوار التي نشرت لكل منهم. بين شجار الباحثين عن "حرية" الصحافة والباحثين عن "صرة" الصحافة.. سقط شباب الصحفيين رهائن لمعركة الجانبين.. مع أنهم هم الباحثون الحقيقيون عن حرية الصحافة.. فهل تنجح نقابة الصحفيين في فك أسرهم؟ أتمني. رئيس تحرير مجلة أبطال اليوم الصادرة عن مؤسسة أخبار اليوم