كنت أتأمل إقالة رجل الأعمال السيد البدوي للزميل إبراهيم عيسي من الدستور، فذهبت أفكاري إلي مؤسسة «روزاليوسف» كمدرسة حقيقية تخرج فيها العديد من أساتذة وأمراء وحكام وضحايا صاحبة الجلالة، ويكفي أن نتذكر في العقدين الأخيرين الأساتذة: عادل حمودة (الفجر)، والراحل مجدي مهنا (المصري اليوم)، والإبراهيمان عيسي ومنصور (الدستور) ووائل الإبراشي (صوت الأمة)، إضافة إلي خريجين آخرين مثل الأساتذة: حمدي رزق، رئيس تحرير المصور، طارق حسن، رئيس تحرير الأهرام المسائي، وعمرو خفاجي، رئيس تحرير الشروق، إضافة إلي فيلق إعلامي فضائي أسس أو قدم أو أعد برامج فضائية شهيرة مثل الأساتذة: عبدالله كمال، كرم جبر، وائل الإبراشي، إبراهيم عيسي، محمد هاني، وائل لطفي، كوكبة تتلألأ في سماء الوطن، كل هؤلاء يتراوحون بين كل وجهات النظر من الحكم أو المعارضة، جميعهم علي اختلاف آرائهم وتوجهاتهم يتمتعون برشاقة مهنية وشقاوة صحفية وشغب سياسي يليق بهم وبأمهم (روزا) التي طالما اتسع صدرها لهم حتي وإن ضاق بهم صدر الوطن أحيانا فتحية لهم جميعا لما قدموه للوطن وللصحافة والإعلام من حب وإزعاج. عبرت بمخيلتي من حضن روزا وأولادها إلي عمي الألوان الذي أصاب «مفكري التوك شو»، حيث يتجاهلون أن الذي أقال الزميل إبراهيم عيسي رجل المال والأعمال والسياسة السيد البدوي رئيس حزب الوفد الليبرالي (سابقا والرأسمالي حاليا) فيتم الهجوم علي حكومة الحزب الوطني! والمدهش أن تستقي دولة عظمي مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية معلوماتها من مفكري «التوك شو»، حيث نشرت الشروق 7/10/2010 (واشنطن تطالب مصر باحترام حرية التعبير بسبب إقالة إبراهيم عيسي). ومع كل تضامني مع إبراهيم عيسي وإبراهيم منصور والزملاء في الدستور فإن الذي قام بذلك رجل الأعمال السيد البدوي رئيس حزب الوفد الذي هلل له الجميع بعد الفوز (الهوليودي) برئاسة الحزب.. فما دخل الحكومة بذلك؟ هل قامت الحكومة بعقد صفقة مع البدوي لشراء الدستور لإسكاتها؟ لو حدث ذلك فلماذا هاجمت المصري اليوم من قبل علي الرئيس السابق محمود أباظة واتهمت إياه بعقد صفقة مع الحكومة؟! أم أن الأمر يصب في أن الرأسمالية المصرية مشكورة قررت أن تشتري الأحزاب والأندية والإعلام والأراضي وتخصخصها وتسقعها وصولا لتحويلها إلي شركة مساهمة تدار ديمقراطيا عن طريق موظف عندهم بدرجة رئيس مجلس إدارة مصر المحروسة! الحقيقة تكاد تقترب من الهزل الذي أطرحه.. الرأسماليون الجدد ومنهم السيد البدوي قرروا أن يستثمروا في الإعلام دون إدراك الفرق بين الاستثمار في الإعلام كمؤسسات صناعة ضمير ورأي عام، وبين الاستثمار في العقارات، حيث يذهب رجل الأعمال لشراء فيللا أو قصر ويتفاهم مع سكانها ليخرجهم ثم يقوم بتسقيع الأرض من أجل بيعها أو بناء برج سكني عليها! هذا ما حدث في الدستور وما سوف يحدث في صحف أخري وفضائيات قريبا، ولابد للإبراهيمين العزيزين عيسي ومنصور أن يعلما أن علاقة رجال الأعمال بالإعلام مجرد زواج متعة.. ومع كامل احترامي للجميع فالسيد البدوي يتصرف بطريقة مالك العقار الجديد أو الزوج في زواج المتعة، حينما يقول بهدوء إنه ضاعف رواتب الصحفيين في الدستور وعرض علي إبراهيم عيسي (75 ألف جنيه) للاستمرار في كتابة مقاله الأسبوعي وإبراهيم رفض! هكذا إننا أمام قضية أكبر من عيسي ومنصور ومحرري الدستور، قضية تستدعي علي نقابة الصحفيين أن تتحرك قبل فوات الأوان وقبل أن يحاول رجال الأعمال شراء هذه النقابة أو تأسيس أخري «بفلوسهم».. وإلا هل كان أحد يتخيل هذه الهجمة الرأسمالية علي الإعلام منذ عشر سنوات؟ فلماذا لا يحاول رجال الأعمال أن يؤسسوا نقابة ترتبط «بسعر الصرف» ويصبح هناك موسم للانتقالات للصحفيين مثل لاعبي الكرة في الأندية الرياضية، وهذا ما يلوح بالفعل في الأفق الآن، حيث نجد رؤساء تحرير ورؤساء مجالس إدارات ومديري تحرير يكتبون في صحف خاصة مختلفة في سياستها التحريرية عن مؤسساتهم الصحفية، والعكس! إننا أمام مأزق أكبر من صحيفة الدستور، فليس علي رجال الأعمال حرج أو لوم في أن يسعوا للربح عبر امتلاك كل شيء بما في ذلك الأرض ومن عليها من بشر، والسيد البدوي رجل مال وأعمال وإعلام وسياسة محترم علي غرار نظائره في الغرب الأمريكي، ولكن اللوم والحرج يقع بالأساس علي الجماعة الصحفية التي خضعت قطاعات كبيرة منها طواعيا لهيمنة وشروط صاحب رأس المال في الإعلام الخاص، وقبلوا «تسليع» تلك المهنة المقدسة سابقا وقدموا بلاط صاحبة الجلالة كبضاعة لرجال الأعمال ليخضعوها للعرض والطلب والتسقيع من أجل حفنة دولارات! إن الغرب يتمتع بمرجعيات مهنية راقية تحمي الصحفي في حالة بيع الصحيفة أو في حالة تغيير سياستها التحريرية أما نقابتنا العتيدة الفقيرة فلا تملك التصدي لسطوة مال رجال الأعمال، فتري من ينقذ المهنة ومن يمتهنونها من شر أنفسهم وسطوة الطوفان القادم سوي ذات الجماعة الصحفية نفسها وهل يكون الحل بمؤتمر عام للنقابة لمناقشة مستقبل المهنة في ظل التداخل بين سطوة رأس المال وحرية الضمير؟ أم بإقرار الواقع والدعوة لإنشاء نقابة أخري للإعلام الخاص والصحف الخاصة؟ هل نفعل ذلك بأيدينا قبل أن يفعله الآخرون بنا؟ (يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف).