لا تخلو حياة بني آدم من منغصات،ولا يكاد يستقيم له حال بدونها .. مثلها كمثل النار التي لابد منها لكي تطهر الحديد مما به من شوائب .. وكمثل "المضادات الحيوية" التي لابد منها للقضاء علي الميكروبات في الجسم .. وبالإضافة إلي هذه "المنغصات" توجد " الآمال الكبري"، و" الأحلام العريضة" .. لا يكاد يوجد امرؤ ليس له أمل يغالب فيه الألم، وحلم يكابد فيه الصبر .. حتي الأنبياء والرسل، وهم أعظم خلق الله وأرفعهم مكانة، كانت لهم أحلام دنيوية، وآمال حياتية .. خذ، علي سبيل المثال، النبي أيوب (علي نبينا وعليه السلام) الذي ابتلاه ربه في جسمه وولده وماله .. فصبر حتي ضرب به المثل في الصبر .. وتجلد حتي أصبح آية في التجلد .. وقاوم إغراءات الشيطان حتي أصبح له العدو المبين .. كان يعلم النبي أيوب أن الجنة أرقي وأبقي .. كان يعلم النبي أيوب أنه لا جزاء للصبر سوي الجنة .. ورغم ذلك، طلب من ربه أن يعافيه في الدنيا مما أصابه " وَأَيوبَ إِذْ نَادَي رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَينَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَي لِلْعَابِدِينَ " .. لا ضير إن طلب الإنسان القوة في الدنيا، طالما أن ذلك لا يتعارض مع ثواب الآخرة .. وكان النبي سليمان عليه السلام عالماً بما أعده ربه للمتقين من جنات ونهر .. وكان يعلم أن ما عند الله خير .. وكان يعلم أن الإنسان مآله إلي ربه وإن طال به المدي .. ورغم ذلك دعا ربه " قال ربي اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب" .. صحيح أنه دعا أولاً بطلب المغفرة، وهو الجزاء الأخروي، ولكنه قرنه بطلب الحياة الدنيا " الملك الكبير" .. فما أجمل أن تجتمع الدنيا والآخرة لدي الإنسان .. ولما فر نبي الله موسي من مصر إلي مدين، وذاق التعب والجوع بعد حياة القصور التي تربي فيها وليدا وعاش فيها من عمره سنين، دعا ربه " ربي إني لما أنزلت إلي من خير فقير" قال أهل التفسير: سأل الله تعالي أن يطعمه في ذلك الوقت، وذلك لما كان عليه من الجوع والتعب وهو أكرم خلق الله تعالي عليه في ذلك الوقت، وكان لم يذق طعاماً منذ سبعة أيام، وقد استجاب الله دعاء موسي عليه السلام، فأطعمه وزوجه من إحدي بنات " شعيب" عليه السلام، وأوجد له العمل .. ليس عيباً أن نطلب الدنيا ونسعي في مناكبها، وليس حراماً أن نتمتع بها " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق" .. ولكن العيب هو ألا نقيم التوازن بين رغبات الدنيا ومتطلبات الآخرة .. هذا التوازن هو ما أجمله ربنا في قوله " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً" .. اللهم ارزقنا في الدنيا ولا تحرمنا ثواب الآخرة .. يا الله .