كتب - نعومي وولف تري هل يكون بوسع العرائس المتحركة المكسوة بالفراء ذي الألوان الساطعة البراقة أن تقدم لنا الدروس التي نحتاج إليها لتهدئة نيران الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟ لقد أصبحت إمبراطورية الدمي المتحركة عالمية الآن، والواقع أن أولئك الذين نشئوا مع البرنامج التليفزيوني التعليمي «شارع سمسم» يعرفون أنه يقدم للأطفال في سن الخامسة دروسًا سهلة الاستيعاب في القراءة والكتابة، والحساب، والمهارات الاجتماعية، ولكن شارع سمسم يعمل وفقًا لأجندة أكثر رفعة وسموًا، فيبحث عن شركاء في العالم النامي بما في ذلك المملكة العربية السعودية وجنوب إفريقيا وباكستان لتقديم هذه المخلوقات الصغيرة المكسوة بالفراء، ورسالة السلام والتسامح التي يحملونها، إلي الجماهير المحلية. ومؤخرًا صدر فيلم وثائقي جديد تحت عنوان: «عندما تحلم الدمي المتحركة بالسلام»، وهذا الفيلم يتتبع الإنتاج المشترك المروع لبرنامج شارع سمسم في إسرائيل وفلسطين، الذي استعان بفريق إنتاج أردني، ولقد بدأ هذا البرنامج، مثله كمثل العديد من البرامج التعليمية أو الثقافية المشتركة بين إسرائيل والفلسطينيين، بمثالية حالمة، ولكن استنادًا إلي الفيلم وإلي حلقة نقاش دارت مؤخرًا مع صانعي الفيلم ومتحدث باسم برنامج الدمي المتحركة في نيويورك فقد كان البرنامج هزيلاً ضعيفًا بسبب نقيصة شائعة تعيب مثل هذه الشراكات. كانت الخطة الأصلية كما هي الحال مع العديد من هذه البرامج قائمة علي فكرة التكافؤ: حيث من المفترض أن يعمل فريقا الإنتاج الإسرائيلي والفلسطيني معًا بيد أن الشركاء الفلسطينيين اعترضوا علي تلك الفكرة «نحن لم نصل بعد إلي مثل هذا الشكل من أشكال التعاون»، فهل يمكنهم أن يعملوا في إنتاج برنامج شارع سمسم بفريق فلسطيني منفردا؟ وجاء الرد كالتالي: «لا يوجد تمويل لأمر كهذا». وأخيرًا، وافق الفريق الفلسطيني علي إنتاجين متوازيين بجميع بينهما عنصر رئيسي من «التبادل الثقافي» فبدلاً من صنع المشاهد والفقرات مع الإسرائيليين، سوف ينتج الفريق الفلسطيني سلسلة تشارك فيها دمي متحركة فلسطينية وأشخاص بالغون، وتشتمل أيضًا علي رسوم متحركة وأفلام وثائقية قصيرة ينتجها الإسرائيليون والأردنيون، وكان من المفترض أن يفعل الفريقان الآخران المثل، وسوف تعمل بعض الشخصيات المشتركة مثل قناة إسرائيلية عربية تشرح كل «جانب» للآخر علي خلق قدر من الاستمرارية. وكانت رغبة إدارة البرنامج في نيويورك أن يحرص كل من الفلسطينيين والإسرائيليين علي إظهار الجانب الآخر في صورة إنسانية، ومرة أخري قاوم الفلسطينيون هذا التوجه، فبدلاً من التركيز علي خلق سيناريوهات تظهر الإسرائيليين وحتي الأطفال الإسرائيليين في ضوء إيجابي، كانوا راغبين في التركيز علي إظهار الثقافة الفلسطينية في ضوء إيجابي، وتصوير الشباب الفلسطيني كقدوة وتقديم صور للأطفال علي نحو يعرض بدائل للعنف. ولكن الواقع المرير تدخل مرة أخري، فقد نفذ مفجر انتحاري هجومًا في إسرائيل، وانتقمت قوات الدفاع الإسرائيلية بالاستيلاء علي رام الله، حيث كان يقع استوديو تصوير شارع سمسم الفلسطيني الضئيل، ويومًا بعد يوم، لم يتمكن الفريق الفلسطيني الموهوب من رسامي الرسوم المتحركة ومحركي الدمي والمصممين والمصورين والمنتجين من الذهاب إلي العمل، وفي الوقت عينه كان الفريق الإسرائيلي ينفذ المواد الخاصة به في استوديو جيد الإضاءة والتمويل في تل أبيب. ثم احتلت قوات الدفاع الإسرائيلية محطة التليفزيون ذاتها ودمرتها، إلي جانب كاميرات الفريق وحاسباته الآلية، والواقع أن المشاهد التي عرضها الفيلم الوثائقي لشاشات الكمبيوتر بعد إطلاق النار عليها وأكوام من الطابعات والكاميرات المحطمة وتحتها عبارة مرسومة كالزخرفة الجدارية تقول «فلسطين أبدًا» لأمر يوقع في النفس الكآبة واليأس. وفي الوقت نفسه كان صبر نيويورك بدأ ينفد، فأخطر القائمون علي الإدارة هناك الفريق الفلسطيني بأن فقراتهم قد تأخرت وفي ظل ما يعد احتلالاً عسكريًا في الأساس، بدأ الفلسطينيون يعيدون النظر فيما إذا كان ذلك هو النوع من المشاريع الذي يتعين عليهم أن يكرسوا له طاقاتهم، وكانت منتجة نيويورك المشرفة علي المشروع، وهي أم منفردة، عازفة في البداية عن زيارة رام الله لذا فإن عدم قدرة الفريق الفلسطيني عن إنتاج المواد الموكلة إليه في الوقت المناسب، كما هي الحال مع العديد من جوانب التجربة الفلسطينية، كانت مستترة خلف حاجز من الخوف، وهو ليس بالحاجز المشهود بالكامل، وبالتالي لم يكن مفهومًا بشكل كامل. وانتهي مشروع الإنتاج المشترك، ولكن هناك الآن شارع سمسم فلسطيني وآخر إسرائيلي، وهناك شخصيات عربية إسرائيلية إيجابية في النسخة الإسرائيلية، والواقع أن منتجي هذين البرنامجين، إلي جانب صانعي فيلم «عندما تحلم الدمي المتحركة بالسلام»، يقدمون لنا جميعًا دروسًا بالغة الأهمية. وتحضرني دومًا تلك العبارة التي قالها أحد أعضاء فريق الإنتاج الفلسطيني في إطار دفاعه عن إنتاج برنامج شارع سمسم بواسطة الفريق الفلسطيني فقط: «هذا زواج تحت تهديد السلاح»، ثم أضاف: «ونحن الآن نريد الطلاق». إن التمييز ظاهريًا بين أفراد الفريق الفلسطيني وأقرانهم الأوروبيين أو الإسرائيليين أمر مستحيل، فهم شباب من الموهوبين المتمرسين يتسمون بالثقافة العالية والذوق الرفيع في الملبس، والأهم من كل شيء آخر هو أنهم يريدون العمل علي خلق بيئة إيجابية لأبنائهم، أو علي الأقل الحصول علي استراحة نفسية مؤقتة من واقع الاحتلال والعنف والحرب. ولكن متي رأينا العالم الخارجي بما في ذلك الجهات المانحة الأفضل نوايا، يمد يديه للمجتمع المدني الفلسطيني مصغيًا إلي شروطه هو، من دون الإصرار علي مثل ذلك «الزواج تحت تهديد السلاح»؟ ومتي رأينا الموارد تستمر في أفلام أو كتب أو صحف أو مدارس أو فرق رقص فلسطينية من دون مطالبة الجهة المتلقية بتقديم لفتات ودية إلي إسرائيل؟ الواقع أن العديد من عناصر المجتمع المدني في العالم الإسلامي أداروا ظهورهم للشراكات المحتملة مع نظرائهم الإسرائيليين، حتي أن أحد الممثلين المصريين قوطع في بلاده لمجرد ظهوره في مهرجان كان مع ممثلة إسرائيلية، ولكنني علي يقين من أنه كلما كانت الجهات الخارجية أكثر حرصًا علي الاستثمار في المجتمع المدني الفلسطيني بشروطه الخاصة، كلما كان المثقفون الفلسطينيون والعالم الإسلامي عمومًا أقل غضبًا وسخطًا مقارنة بالشروط التي تفرض عادة علي الإبداع الفلسطيني، ولا شك أن المجتمع المدني الفلسطيني النشط سوف يكون أكثر مرونة وانفتاحًا إزاء الشراكات المحتملة بما في ذلك المشاريع الفلسطينية المشتركة الأكثر طبيعية وشمولاً وبالتالي تعود الفائدة علي المنطقة ككل. لقد علمت الدمي المتحركة أجيالاً من الأطفال في مختلف أنحاء العالم كيف يعدون إلي عشر كعكات وكيف يتقاسمون، وفي الولاياتالمتحدة في سبعينيات القرن العشرين، علمتنا الدمي المتحركة عن إمكانية الزواج المختلط بين الأعراق في شارع سمسم، وفي جنوب إفريقيا طلب المنتجون دمية تلعب دور طفل مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة، فكان قبول مثل هؤلاء الأطفال في المجتمع بمثابة درس نقله المربون المحليون إلي فريق نيويورك. في شارع سمسم الفلسطيني الإسرائيلي، كان فشل المشروع المشترك بمثابة نجاح في واقع الأمر، فقد لقننا المنتجون والدمي المتحركة درسًا قيمًا آخر حول الكيفية التي يجوز لنا أو لا يجوز أن نساعد بها الآخرين. ناشطة سياسية وناقدة اجتماعيةواحدث مؤلفاتها كتاب بعنوان "اعطني حريتي" "دليل الثوريين الأمريكيين"