وكان مستحيلاً أن تصبر مصر أكثر من ست سنوات (1) - «نحن عدنا بعد ست سنين، وهتفنا مرحباً سيناء، أما شدك للرجوع حنين؟».. ولم تذق عيون مصر النوم لحظة واحدة منذ احتلال سيناء سنة 1967، وظلت تنتظر ساعة العبور العظيم. - غنينا لبيوت السويس «يا بيوت مدينتي، استشهد تحتك وتعيشي أنتي».. «وأحلف بسماها وبترابها ما تغيب الشمس العربية طول ما أنا عايش فوق الدنيا». - وهكذا ظلت مصر والمصريون في حالة استعداد قصوي لاستعادة قطعة غالية من أرض الوطن، والدرس المستفاد هو: بزوغ إرادة المصريين في أوقات المحن. (2) - هناك حكمة فرعونية قديمة تقول: «إن الشعب المصري يتحول إلي روح واحدة في جسد واحد في أوقات الخطر»، وبالفعل أصبحت مصر روحاً واحدة في جسد واحد. - ربط المصريون الأحزمة فوق بطونهم، ووفروا من لقمة عيشهم، واختفت الشكوي من الأزمات بمختلف أنواعها، لأن لنا هدفاً واحداً هو: استعادة الأرض. - اختفت الجريمة وساد الهدوء الشديد الشارع المصري، لأن الوطن كله كان يهيئ نفسه لساعة الصفر، يوم يستعيد كرامته وكبرياءه.. فلا وقت للشكوي. (3) - كان مستحيلاً أن تصبر مصر أكثر من ست سنوات، لأن البلد كله كان متفرغاً للاستعداد للحرب، وتخصيص كل موارده للمجهود الحربي. - اختفت الشكوي رغم الأزمات الطاحنة في كل شيء، ورغم الطوابير الطويلة للحصول علي كيلو سكر أو فرخة أو علبة سجائر، أو زجاجة زيت. - كل شيء يهون من أجل سيناء الحبيبة التي ضاعت في 6 ساعات، مثل الطفل الصغير الذي اختطفه عدو شرير من أحضان أمه. (4) - المصريون من الشعوب القليلة التي لا تطيق أن تقع قطعة من أرضها تحت الاحتلال، وقرروا أن يُضحوا بكل غالٍ ونفيس، لاستعادة الأرض والعرض. - التضحية بدمائهم وأرواحهم، وليس هناك في الدنيا أغلي من ذلك، وسيناء بالذات هي أكبر جزء من أرض الوطن ارتوي بدماء وأرواح الشهداء. - هي البوابة التي يأتي منها الغزاة علي مر التاريخ، وهي أيضاً مقبرة الغزاة، وتتحول أرضها وسماؤها إلي سجادة من نار تحرق المحتل. (5) - كان من الظلم الشديد أن تلحق بالجيش المصري هزيمة بشعة، دون أن يتاح لرجاله من الجنود والضباط فرصة عادلة في القتال، مثلما حدث سنة 67 . - أُخذ هذا الجيش علي غرة، في حرب لم يكن مستعداً لها، ولكن دخلها دفاعاً عن الأشقاء السوريين الذين كانوا يتعرضون لاستفزازات إسرائيلية. - حاربنا من أجلهم ومن أجل تحرير فلسطين، وتحالفت قوي الاستعمار لضرب عبد الناصر وكسر شوكته، ونجحوا في خطتهم التآمرية لضرب قوة مصر. (6) - كانت إسرائيل تتصور أن مصر لن تقوم لها قائمة، وأن أمامها مائة سنة لتعيد بناء جيشها، وتكون قادرة علي الحرب من جديد. - لكن فرحتها لم تدم طويلاً، فبعد أيام قليلة من الهزيمة كان الجنود والضباط المصريون يلقنونها درساً قاسياً في معركة «رأس العش». - وأدركت أكثر وأكثر أن بقاءها في سيناء مستحيل بعد حرب الاستنزاف، والبطولات الفذة للمقاتل المصري الذي نفَّض عن جبينه غبار الهزيمة. (7) - الإسرائيليون كتبوا عن الفزع وبطولات الجيش المصري أكثر مما كتبنا نحن، لأنهم تجرعوا مرارة الهزيمة، وأوشكت دولتهم علي الانهيار. - وصفوا حرب أكتوبر بأنها «الصدمة والرعب»، وربما لم يفيقوا من الكابوس حتي الآن، وكانوا يعتقدون أنهم يعيشون حلماً جميلاً. - «سيناء- نحن عدنا بعد ست سنين» ولم يكن ممكناً أن تصبر مصر علي فراقك أكثر من ذلك. E-Mail : [email protected]