عربة نقل كبيرة محملة بالصفائح تخترق الشارع علي مهل، وقد امتلأ بالموظفين الخارجين من عدة وزارات: الصحة، المالية، الداخلية، التربية والتعليم، إدارة التأمينات والمعاشات. العربة النقل تشق طريقها بصعوبة في الشارع المزدحم، فجأة يظهر شاب يرتدي بدلة أنيقة ومعه شخص آخر يرتدي جلباباً وفوقه معطف، الشاب يصيح بصوت مرتفع: قف عندك. السائق يتوقف علي الفور، بلهجة آمرة تدل علي أن صاحبها من أهل السلطة صاح في السائق: انزل من العربية. السائق ينزل من السيارة وقد ابيض وجهه من الخوف. رخصتك ورخصة العربية واركن لي علي جنب. يناولهما له علي الفور و يركن السيارة بجوار الرصيف.. الموظفون تجمعوا الآن بالمئات حول المشهد، كان من الواضح أن الشاب الأنيق ضابط مباحث أو مخابرات، وأن مرافقه يعمل مخبراً. - الصفايح دي فيها إيه يا جدع إنت؟ والله يا فندم.. أنا ماليش دعوة بحاجة، أنا عبد المأمور.. - مش عاوز تقول فيها إيه وحياة أمك؟ يلتفت إلي المخبر: يا عبده.. اطلع نزل صفيحة من دول. المخبر يصعد العربة ويتناول صفيحة وينزل بها، الضابط يمسك بالصفيحة بحذر.. الصفيحة دي فيها إيه يا ابن ال.......؟ - والله العظيم ما أعرف عنها حاجة. عاوز تقول إيه يا مجرم؟ .. إحنا إللي حطينا لك الصفيحة؟.. ده إحنا حوالينا ألفين شاهد.. فيها إيه يا سواق؟.. مش عاوز تتكلم.. . افتحها. علي الفور يتطوع أحد الواقفين: بعد إذنك يا باشا. يخرج مفكاً ويبدأ في فتح الصفيحة، يمد أصابعه فيها ثم يلحس أصابعه.. يصيح صيحة هائلة يهتز لها ميدان لاظوغلي: سمن.. سمن بلدي.. الضابط بدوره يمد إصبعاً بحذر داخل الصفيحة، يتذوق، فعلاً سمن بلدي.. تمتد عدوي الرغبة في التذوق، تنتقل الصفيحة بين الحشد الكبير، ثم تختفي.. ويبدأ التحقيق في الواقعة في الموقع وأمام الشهود. كنت ح توديه فين السمن البلدي ده؟ - والله يا باشا أنا ماليش دعوة.. وهنا تبدأ المشاهد الساخنة التي يحبها المتفرجون كثيراً، السلطة تضرب الحرامي، ينهال عليه صفعاً وركلاً: اتكلم يا ابن ال.... موديها فين؟ موديها بني سويف.. - حا تبيعوها بكام في بني سويف؟ السائق لا يرد، يستأنف الضابط ضربه بين صيحات التشجيع، وأخيراً ينطق السائق: هم يا بيه اللي حا يبيعوها.. أنا ماليش دعوة.. حا يبيعوها بخمسة وعشرين جنيهاً.. خمسة وعشرين جنيهاً يا كفرة يا أعداء الشعب.. الحكومة بتستورد السمنة دي وبتسلمها لكم بأربعة جنيه.. عشان الشعب يطبخ بالسمن البلدي.. والمفروض تتباع بخمسة جنيهات.. جنيه مكسب في الصفيحة كفاية قوي.. بس أنتم حرامية ومجرمين. - والله يا باشا أنا ماليش دعوة.. ده المعلم هو.. وهو أنا ح أسيب المعلم بتاعك يا ابن ال...... أنا حا أصادر الحمولة دي كلها دلوقت.. يرتفع أحد الأصوات صائحاً بحزم : يا باشا.. عقاباً ليه لازم نشتري إحنا السمن بخمسة جنيهات.. تتعالي هتافات الجماهير: صح.. صح.. صح. هو ده عقابه. لأ.. عقابه إنه يبيع بأربعة ونص.. ياللا يابن الكلب.... كل الصفائح دي حا تتباع قدامي دلوقت.. بس باقول إيه.. أرجوكم.. كل واحد صفيحة.. ما حدش ياخد أكثر من صفيحة.. في لحظات اختفت حمولة السيارة من السمن البلدي، واختفت السيارة واختفي الضابط والمخبر.. وكل من أسعده الحظ بشراء صفيحة دخل بها علي زوجته وكأنه يحمل كنزاً.. كانت الصفائح كلها ممتلئة بالمياه..