بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد النصر بالعريش    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين بمُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة Thinqi    مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. في القاهرة والمحافظات    رئيس قناة السويس: ندرس تنفيذ مشروع للتحول لمركز إقليمي لتوزيع قطع الغيار وتقديم خدمات الإصلاح والصيانة السريعة    حماية العمالة غير المنتظمة.. "العمل": آلاف فرص العمل ل"الشباب السيناوي"    الإسكان: تنفيذ 24432 وحدة سكنية بمبادرة سكن لكل المصريين في منطقة غرب المطار بأكتوبر الجديدة    بالفيديو والصور- ردم حمام سباحة مخالف والتحفظ على مواد البناء في الإسكندرية    الاتصالات الفلسطينية: عودة خدمات الإنترنت بمناطق وسط وجنوب قطاع غزة    معلق مباراة الأهلي ومازيمبي في دوري أبطال أفريقيا    فانتازي يلا كورة.. جدول مباريات الجولة 35 "المزدوجة"    مصرع شخص في حادث تصادم ببني سويف    انتداب الطب الشرعي لمعاينة جثث 4 أشخاص قتلوا على يد مسجل خطر في أسيوط    25 مليونًا في يوم واحد.. سقوط تجار العُملة في قبضة الداخلية    "المكون الثقافي وتأثيره في السياسات الخارجية المصرية" ندوة بمكتبة الإسكندرية    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية جديدة إلى أوكرانيا    خبير دولي: مصر رفضت مخطط التهجير الخبيث منذ اليوم الأول للعدوان على غزة    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    أسعار البيض والدواجن اليوم الجمعة.. البلدي ب 117 جنيهًا    المندوه: لاعبو الزمالك في كامل تركيزهم قبل مواجهة دريمز    تواجد مصطفى محمد| تشكيل نانت المتوقع أمام مونبلييه في الدوري الفرنسي    تشافي يطالب لابورتا بضم نجم بايرن ميونخ    اتحاد جدة يعلن تفاصيل إصابة بنزيما وكانتي    11 مساء ومد ساعة بالإجازات.. اعرف المواعيد الصيفية لغلق المحلات اليوم    كاتب صحفي: الدولة المصرية غيرت شكل الحياة في سيناء بالكامل    منها «ضمان حياة كريمة تليق بالمواطن».. 7 أهداف للحوار الوطني    أمن القاهرة يكشف غموض بلاغات سرقة ويضبط الجناة | صور    وزير الخارجية الأمريكي يلتقي مع الرئيس الصيني في بكين    عرض افلام "ثالثهما" وباب البحر" و' البر المزيون" بنادي سينما اوبرا الاسكندرية    شاهد البوسترات الدعائية لفيلم السرب قبل طرحه في السينمات (صور)    في ذكرى ميلادها.. أبرز أعمال هالة فؤاد على شاشة السينما    احتجت على سياسة بايدن.. أسباب استقالة هالة غريط المتحدثة العربية باسم البيت الأبيض    موضوع خطبة الجمعة اليوم: تطبيقات حسن الخلق    دعاء صباح يوم الجمعة.. أدعية مستحبة لفك الكرب وتفريج الهموم    الصحة: إجراء الفحص الطبي ل مليون و688 ألف شاب وفتاة ضمن مبادرة «فحص المقبلين على الزواج»    تنظيم قافلة طبية مجانية ضمن «حياة كريمة» في بسيون بالغربية    طريقة عمل هريسة الشطة بمكونات بسيطة.. مش هتشتريها تاني    نائب وزير خارجية اليونان يزور تركيا اليوم    حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد الجيش الإسرائيلي يوم الخميس    رمضان صبحي: نفتقد عبد الله السعيد في بيراميدز..وأتمنى له التوفيق مع الزمالك    الشركة المالكة ل«تيك توك» ترغب في إغلاق التطبيق بأمريكا.. ما القصة؟    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    كارثة كبيرة.. نجم الزمالك السابق يعلق على قضية خالد بو طيب    انطلاق انتخابات التجديد النصفي لنقابة أطباء الأسنان بالشرقية    خبير: أمطار غزيرة على منابع النيل فى المنطقة الإستوائية    منها «عدم الإفراط في الكافيين».. 3 نصائح لتقليل تأثير التوقيت الصيفي على صحتك    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور في 20% من عينات الألبان في الولايات المتحدة    جامعة الأقصر تحصل على المركز الأول في التميز العلمي بمهرجان الأنشطة الطلابية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    حكاية الإنتربول مع القضية 1820.. مأساة طفل شبرا وجريمة سرقة الأعضاء بتخطيط من مراهق    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميًّا    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكتب الدعاية لحملتي الانتخابية يعمل في وقت الفراغ في الدعاية للمرشح الذي ينافسني

فوجئت حين وجدت هيئة المكتب التي تعمل معي بكامل أفرادها تنقل جداول الناخبين لحساب خصمي.. ولما ثرت في وجه مدير حملتي الانتخابية قال لي: لقد كنت شحيحا عليهم.. ومن حق المأجور أن يجري علي رزقه
الفتوة مرجان يقول: أهالي الجهة ناس فقراء ومساكين وماديون.. ولابد من تعويضهم عن ترك أعمالهم لكي يدلوا بأصواتهم في لجان الانتخاب
مرجان يحدد لي موعدا لكي يصحبني في جولة انتخابية بأنحاء الدائرة.. بعد انتهاء جولة لمنافسي صحبه فيها
خطيب محترف يعد الناخبين بأنني سوف اتبرع بمكافأتي البرلمانية عندما أفوز لصالح أهالي الدائرة
لم أكن أعلم أن الانتخابات موسم من المواسم كأعياد تظهر فيه أنواع من البضائع لا تظهر في باقي الأيام أو الأعوام.
إن سمك البكلا المجفف والقمر الدين والكنافة: هذه المأكولات لا تظهر في غير رمضان.
ولعب الأطفال والأثواب الجديدة لا تظهر في غير العيدين الكبير أو الصغير.
كذلك جماعة الهاتفين المأجورين، والفتوات المأجورون والخطباء المأجورون لا يظهرون في غير أيام الانتخابات.
بعد قفل الباب
وهؤلاء المأجورون يعرف بعضهم بعضا، وأني أخالهم يعقدون بينهم الاجتماعات حينما يصيح المنادي بحلول فصل الانتخابات ويتساءلون فيما بينهم أي المرشحين نسير في ركابه وأيهم نقوم بالدعاية له، إلا أنهم في موسم سنة 1944 - 1945 تلبثوا وقتا ما إلي ما قبل قفل باب الترشيح إذ وجدوا تهافت الراغبين في الكرسي النيابي وتكاثرهم، وقد أنضوي كل واحد منهم تحت راية مرشح معين أو تحت راية مرشحين لدائرتين مختلفتين، وقد يري مأجور من هؤلاء عطاء سخيا يلوح به أحد المرشحين، فلا يري حرجا في أن يهجر مخدومه الأول لأن هذا العمل نوع من التجارة، فاللعروض السخية الاعتبار الأول وهي صاحبة التوجيه الأساسي لعملية الانتخاب بصفة عامة، وهؤلاء الخارجون علي مخدوميهم أشد حربا عليهم من المنافسين وأنصار المنافسين وأمعن في الايذاء وأخطر في الأضرار، ذلك لأنهم كانوا يعلمون جميع أسرار سادتهم السابقين فهم نقلة الأخبار بين المعسكرات.
وقد كنت في بداية المعركة ساخطا أشد السخط علي هؤلاء الخوارج، كنت ناقما علي الشيطان الأسود. وناقما علي «مسعود أفندي» المشوه الخلقة، وناقما علي هيئة مكتب الدار الانتخابية وشملت نقمتي كل ما يتصل بالعملية جميعها وبالمعركة كلها.
رأيت الشيطان الأسود يسير في ركاب منافسي ومنعني «مسعود أفندي» من المرور أمام دار منافسي، وأما هيئة المكتب فأني قد رأيتها بكامل افرادها جالسة في قسم من الأقسام وقد بسط كل واحد منهم جدولا من جداول الانتخاب، ولما بحثت في الخفاء عن سر وجودهم وما يصنعون تبين لي أنهم قائمون في نشاط بالغ بنسخ أسماء الناخبين لأن واحدا من الخصوم كلفهم بهذا العمل حينما تقدموا إليه يعرضون خدماتهم.
استشطت غضبا وثرت في وجه «عبدالرؤوف» وأسمعته الكثير من قوارص الكلم علي ثقته بهؤلاء المأجورين الذين اعتمد عليهم في خدمتي فخرجوا علي في الأيام الأولي من المعركة، فكان رده العادي البسيط هو: أنني كنت شحيحا عليهم وأن غيري من المنافسين كان سخيا إلي أبلغ حدود السخاء ومن حق المأجور أن يجري إلي الرزق إذا ما انفتح أمامه باب من أبوابه، فلا لوم ولا عتاب.
وكما كنت أفقد أنصارا، فأني كنت كذلك اكتسب أنصارا جددا كلما امتدت بي الأيام، وكان فقد الأنصار يؤلمني ويهز أعصابي، وكان اكتسابهم يسعدني ويريح أعصابي، فكانت المعركة في الواقع معركة أعصاب والأعصاب يجب أن تكون من حديد وإلا انهار كيان المعركة برمتها إذا ما فقد المرشح أعصابه.
خيانة الأنصار
وأخيرا اعتدت أن أسمع أو ألمس خيانة الأنصار فلم يكن يضيرني أن يقال بأن نصيرا ترك المعسكر وهجرني إلي خصومي بل رحت أتوخي الحيطة في الافضاء بجميع خططي إلي الأنصار جميعا وكنت أراقبهم عن كثب، ولهذا أحسست أن المعركة الانتخابية معركة كبيرة ضخمة مضنية لأنها تقوم علي الجنود المخلصين وكنت وحدي القائد والجنود جميعا.
ومما أشاع الحزن في نفسي عدم الاخلاص وتهافت الأنصار علي ابتزاز المال ومن عجب أني مع علمي بهذه الحقائق كنت مضطرا لقبول هذا الوضع، فأدفع النقود والمرتبات وأنفق المال في كره وأنا أعتقد تماما أن المأجورين محتالون لا ينتظر منهم أن يقوموا بعمل ما أو قد يؤدون عملا تافها ذرا للرماد.
كان يأتيني بعض الأفراد ويقولون بأنهم قاموا بحملة انتخابية وبدعاية واسعة النطاق وأنهم يساعدوني لا رغبة في الأجر وإنما عن اعتقاد راسخ أني أصلح المرشحين جميعا للنيابة عن الدائرة، وكنت أعتقد أنهم كاذبون، ومع هذا الاعتقاد كنت أدفع لهم أجورا يحدوني في هذا اعتباران: الأول أن المتكلم قد يكون صادقاً وقد يكون في كلامه صادرا عن نفس تنطوي علي الخير، والثاني أنه لو كان كاذبا فقد يكون في استمالته دفع لأذي كبير قد يوقعه بي من حيث لا أدري ولعل هؤلاء المنافقين كانوا يتحدثون فيما بينهم ويقولون:
- يا له من بسيط.
إن الاخلاص عماد النجاح في المعركة، فلو ضاع الإخلاص كتب الفشل.
مستعد لأي خدمة
حضر إلي أحد الأفندية يحمل بطاقة من زميل من المحامين يوصي بحامل البطاقة.
قال الأفندي: كنت في زيارة الأستاذ فلان لأنه وكيلي في إحدي القضايا وتحدثنا في شئون الانتخاب ولما علم مني أني اشتغل مع المرشح فلان طلب إلي أن أعمل معك وأني مستعد يا أستاذ لأية خدمة تكلفني بها، وأنا أعرف الدئرة معرفة جيدة جدا لأني اشتغل مدرسا في إحدي مدارسها الإلزامية، وقد جعلني هذا العمل علي صلة بأولياء أمور الأولاد.
قلت : أنا متشكر جدا.
قال: لا شكر علي واجب. أنا علي أتم استعداد للعمل . هل زرت الجهة الفلانية؟
قلت: لا. فإن هذه الجهة لا أهمية لها لأن عدد الأصوات فيها لا يزيد علي خمسمائة صوت بينما أصوات الدائرة ثمانية آلاف.
قال: يا للعجب، إن سكان هذه الجهة كثيرون.
قلت: لا تغرك كثرة السكان في الجهة إذ العماد في التعداد علي الأسماء المدونة في سجل الانتخاب.
قال: ولكنها علي كل حال مهمة جدا وبخاصة لأنه قد صدر أمر يسمح بقيد أسماء الناخبين الذين لم يقيدوا من قبل وعندي إخوان عديدون يمكن قيد أسمائهم وفضلا عن هذا فأننا إذا قمنا بدعاية قوية في هذه الجهة أمكنا أن نضمن الأصوات.
قلت : لا بأس.
قال: وهل اتخذت لك مكتبا انتخابيا في هذه الجهة.
قلت: لا وإنما لدي مكتب في جهة كرموز.
قال: هذا لا يكفي ! أنك في حاجة إلي أربعة مكاتب انتخابية لأن دائرتك كبيرة جدا ويجب أن يكون في كل قسم من أقسامها مكتب يقوم بالدعاية والاتصال بالناخبين. اسألني أنا فقد سبق أن اشتغلت في الانتخابات عدة مرات وفي دوائر مختلفة وهناك طريقة معقولة لتخفيف التكاليف.
قلت: ما هي؟
قال: أنا استحسن استئجار مدرسة فتكون تحت أمرك بغرفها ومنقولاتها ومدرسيها، الغرف لعقد الاجتماعات والمنقولات لجلوس الزائرين والمدرسون للدعاية والعمل الانتخابي.
قلت: فكرة طيبة.
قال: وعلي هذا لا تتكبد شيئا في الانفاق علي دار تستأجرها أو فراش يؤثثها أو كراس تكتريها.
قلت: وأين هذه المدرسة.
قال: نظرا لأني مدرس ولي صلة بأصحاب المدارس جميعا فسأزورهم وأختار مدرسة تكون في مركز مهم في الحي .
واستأذني محدثي في الانصراف وقد وعدني بالزيارة ثانية.
وقد تبين لي أن هذا الأفندي خطيب يلقي القول ارتجالا وهو مطيل في خطابه ويشحنه دائما بالكثير من الأحاديث وآيات من القرآن ولكنه لا يعبأ بأذهان العامة بل يقص عليهم الأكاذيب دون أن يتورع أو يخشي بائسا.
اتفق معي يوما أن نصلي الجمعة في جامع «القروي» ورأي بعد انتهاء الصلاة أن نقوم بجولة نهارية في الحي وكان يصحبنا في هذه الجولة رجل محترم من سكان الجهة ومن أصحاب الأعمال المتصلين بمكتبي.
سرت في جمع من الأفندية يحف بي من الجانبين المدرس ورجل الأعمال الذي أخذ علي نفسه أن يعرفني بأهالي الحي وكان أول من رأي اتصالي به هو المعلم «مرجان» فتوة الحي وصاحب مقهي هام من مقاهيها.
قابلنا «مرجان» الفتوة بالترحاب وسلم عليه «عبدالتواب أفندي» رجل الأعمال تسليم الأصدقاء وقال له بأن الأستاذ مرشح الدائرة رأي أن يزورك.
وسلم علي مرجان مرة ثانية تسليما فيه ود واحتفال وقال- تشرفنا يا بك.
ومضي «عبدالتواب أفندي» يتحدث إلي «مرجان» عن وجوب مساعدتي فكان رد «مرجان» أن أهالي الجهة ناس فقراء، ومساكين وماديون يطلبون نقودا.
فتوليت الإجابة علي هذا القول بكلام فيه عنف وشدة جعلا «مرجان» يرتج عليه، قلت أنني سمعت حديث النقود في كل مكان وأني للأسف لن أدفع نقودا لأي ناخب فما قيمة هذه الدريهمات ينالها الناخب من المرشح ثم يصرفها علي نفسه في لحظة من اللحظات أهذه هي الخدمة الجليلة التي يتمناها الناخبون في هذه الدائرة؟ أم أن الخدمة الحقيقية هي أن يعرف النائب أو المرشح أسباب الشكوي الصادرة من أهالي الدائرة وفقرائها فيحاول أن يعالجها علاجا أساسيا.
وقال عبدالتواب أفندي معلقا علي هذا القول:
- الأستاذ يقصد يا معلم «مرجان» أنك إذا أردت أن تروي شجرة هل ترش فروعها بالماء أم تسقي جذورها؟
قال مرجان: أسقي جذرها طبعا.
قال عبدالتواب: عال جدا، هذا غرض الأستاذ أنه يريد خدمة الدائرة خدمة حقة.
قال مرجان: يا «عبدالتواب أفندي» أنا فاهم كويس وكلام الأستاذ كويس ولكن أهالي الدائرة ناس فقراء وغلابة.
فقال عبدالتواب: الأستاذ لا مانع عنده من إعطاء الناس الذين سيضطرون للانقطاع عن عملهم في يوم الانتخاب بعضا من المال في مقابل عطلتهم.
قال مرجان: الحمد لله أنت فهمتني.
قال عبدالتواب: الأستاذ له غرض في زيارتك في مساء اليوم الساعة السادسة.
قال مرجان: ما فيش مانع بس الساعة الثامنة أحسن.
قال عبدالتواب: ليه؟!
قال مرجان: كدة أنا لي صالح.
فقلت: لا مانع مطلقا.
وقد ظهر فيما بعد أن جميع المرشحين يخطبون ود المعلم «مرجان» فتوة الحي وأن أحد المرشحين كان علي ميعاد مع «مرجان» وأنه حدد له الساعة السادسة للزيارة خشي من تلاقينا وتلاقي أنصارنا.
وكان هذا الفتوة يكسب باليمين وبالشمال وكان يستقبل كل مرشح من المرشحين الخمسة استقبالا حماسيا.
وزرنا بعد ذلك مصنعا للمواسير النحاسية والصنابير يملكه رجل من الأرمن يستخدم عمالا من المصريين يبلغ عددهم الأربعين صانعا وكان هذا المصنع ناجحا كل النجاح وقد زرت جميع أقسامه .
ثم انتقلنا إلي مصنع المكرونة وإلي عدد من مستودعات السيارات وعرجنا علي بعض التجار والمقاهي.
جولة ليلية شاملة
في مساء ذلك اليوم رأيت أن أقوم بجولة ليلية شاملة لجميع شوارع الدائرة وقد بدأت السير من الدار الانتخابية وهي تقع في جنوب المنطقة بينما كانت قهوة المعلم «مرجان» في شمالها.
وقد قال «عبدالرؤوف»: أن أحد سكان الدائرة من أهالي الجنوب قد دعاني لزيارته، وأن صاحب المقهي الذي يقع علي ضفة المحمودية يسره أن أجلس عنده زمنا ما.
وقال السيد أفندي المدرس الذي تقدم لخدمتي أخيرا أن ناخبا من سكان الشمال يدعوني أيضا للزيارة، وهذا الناخب رجل متعلم ووكيل لشركة من الشركات التجارية الأجنبية وهو من الأنصار الذين لا يرغبون في الاتصال بالمرشح الذي يريدون حتي لا يساء الظن بهم.
أحسست أن عملي في ذلك اليوم سيكون عملا ضخما إلا أني كنت سعيدا بهذا العمل الضخم، ذلك لأني خلت أنه كلما أمتد بي الزمن في الدعاية وفي الاتصال بالدائرة ازداد الأنصار وبخاصة المخلصون منهم.
خرجت من الدار الانتخابية وسرت في جمع لا بأس به من الأنصار وكان يسير في المقدمة بعض الهاتفين غير المأجورين ذلك لأني ضقت ذرعا بالمأجورين الذين كانت غايتهم الوحيدة ابتزاز الأموال .
أسر إلي «عبدالرؤوف» أن دار ساكن الجنوب تقع في زقاق من تلك الأزقة الضيقة التي تفضي إلي ترعة المحمودية، هذه القناة المائية الهامة التي انشأها وشقها «محمد علي الكبير» وقد أصبحت بعدئذ طريقا مائيا هاما تتنقل فيه المراكب والسفن النهرية حاملة البضائع بين الإسكندرية أكبر مواني البحر المتوسط وبين داخلية القطر، كما أصبحت هذه القناة أيضا المصدر الوحيد لماء الشرب لمدينة يبلغ عدد سكانها ثلاثة أرباع المليون نسمة.
كان الظلام سائدا وكانت الأرض مبتلة بالماء تعلوها طبقة من الوحل وتتناثر علي سطحها اخاديد وبرك موحلة، وكان السير عسيرا بطيئا فيه خوف البلل ، وقد انقذنا أحد الرفقاء بنور مصباحه الكهربائي الذي كان يحمله، فقد أضاء لنا به السبيل حتي لا نغوص في الوحل أو نرتطم بأكوام من التراب المبتل أو الأقذار المكدسة، وأخيرا بلغنا الدار فحيانا الداعي ومدعووه بالهتاف والتصفيق ترديدا منهم لهتافات المصاحبين لي وكنت فيما بين الهتافين أصعد السلم فوق درجات تهشم بعضها وانخفض بعضها الآخر، وكنت أميل كلما مال الدرابزين المتهافت إلي السقوط وأدور حيث يدور السلم حتي بلغت الطابق الثالث، وهناك اشتد التصفيق وبلغت إلي سمعي زغاريد نسوة تحتويها غرفة جانبية مقفلة.
وجلست في صدر المكان وجلس السيد أفندي عن يميني أما «عبدالرؤوف» فقد تسلل في وسط المجتمعين ليهتف في الفترات المناسبة.
وقد كان صاحب الدار كريما فقدم لنا الشاي الممزوج باللبن وشيئا من الحلوي فشربت وشرب الأنصار، وقد ساءني أن يصاب هذا الكريم في سجاده وبساطه الذي لوثه أحذيتنا المحملة بالوحل اللزج، ولكن ما ذنبنا وقد رأت بلدية الإسكندرية ألا تتخذ وسائل الصيانة والنظافة في شوارع هذا الحي وأزقته بحيث تجعلها نظيفة لا تلوثها بالأوحال مستوية لا تستقر في أخاديدها مياه الأمطار، إن البلدية لا تعبأ ولا يكترث رجالها بالمتاعب التي تعاني منها سكان الأحياء الفقيرة لأنهم ضعفاء، رغما من أنهم يدفعون الضرائب عن مساكنهم الكثيرة الصغيرة المتلاصقة، وأن ما يجئ منهم يزيد اضعافا عما يدفعه الأغنياء عن مساكنهم المتباعدة الرحبة الكبيرة، ولكن الأغنياء أقوياء بجاههم وفي ميسورهم أن يتصلوا بذوي السلطان فلا يخيب لهم رجاء ولا يرفض لهم التماس ولا يؤجل لهم طالب، فشوارعهم أذن يجب أن تكون نظيفة وأن تكون مستوية وأن تنصرف منها مياه المطر خلال مجار تعدها البلدية خاصة وأنها بعد أن تنتهي من إصلاح شوارع للسادة الأعيان فستنظر في أمر اخواننا الفقراء، وقد رفع الله الناس بعضهم علي بعض درجات وهل يستوي الأعمي والبصير!
ووقف السيد أفندي يلقي خطابا فتحدث عن المرشحين ووضعني في القمة منهم ونزل بهم جميعا درجة أو درجات وراح يكذب علي السامعين فقال بأنني لست في حاجة إلي المكافأة البرلمانية وأنني عندما أنجح في الانتخاب وأصير نائبا فسأعهد إلي لجنة تتكون في الدائرة للنظر في توزيع المكافأة في وجوه البر المختلفة وعلي جميع هيئات الاحسان الموجودة في الدائرة.
وهذا الخطيب لا يستشيرني فيما يتخذ من قرارات ولم تكن هذه أكذوبته الأولي بل طالما صدرت منه أكاذيب عديدة، فهو إذا زرنا مقهي من مقاهي الصعايدة يقول بأنني صعيدي، وإذا تحدث إلي المقيمين في شارع من شوارع الدائرة فإنه قائل أنني من مواليد هذا الشارع، وليس من المستغرب في شيء أن أكون قد ولدت في عشرة من شوارع الدائرة.
وكثيرا ما طلبت منه أن يخفف من هذا الأطناب المفضوح فكان يقول. يا أستاذ هل تظنهم يفهمون، أنا أعرف لغة الجماهير ووسائل التأثير عليهم.
ياله من خطيب؟
ووقفت في الجمع خطيبا وكان المكان ضيقا ولو أن الداعي جعل من حجرتين غرفة واحدة بأن رفع الباب الذي يفصلهما.
وما أن أنتهي الخطاب ويممت شطر الباب للخروج حتي أسرع إلي «عبدالرؤوف» وهمس في أذني طالبا جنيهين فسألته عن الغاية من المبلغ.
فقال: طبعا يا أستاذ لا يصح أن تكلف صاحب الدار تكاليف لا يقدر عليها، لقد رأيت أن الرجل قدم لنا الشاي واللبن والبسكوت فهل هذه الأشياء لا ثمن لها.
بادرت في التو بدفع المبلغ المطلوب وأنا أعجب لهذا النوع من الكرم الحاتمي، ثم ازداد عجبي حينما علمت بانضمام هذا الرجل المضياف إلي معسكر أحد المرشحين.
خطاب في مقهي
ونزلنا إلي الشارع واتجهنا إلي مقهي يقع علي ناصيته وكان مليئا بالرواد من العمال وسكان الدائرة وكان أكثرهم يلعبون الورق وكان بعضهم يتبارون في الدومينو ويحيط بكل لاعبين أفراد من أنصار الطرفين وجري صاحب المقهي فوضع عددا من الموائد بجانب بعضها وجلست في المكان الأوسط منها ودارت كؤوس المشروب المائي المحلي بالسكر ووقف في جانب من المكان رجل ضخم كبير الجثة يرتدي جلبابا ويضع علي رأسه طاقية وكان يصفق وحده تصفيقا حادا بكلتا يديه ويصيح أثناء ذلك صياحا مجلجلا «صلي علي النبي» وكان يمد صوته بالكلمة الأخيرة مدا.
وكنت مسرورا من هذا الرجل الذي رأي أن يكرمني علي طريقته الخاصة ولكني علمت فيما بعد أنه نال من «عبدالرؤوف» خمسين قرشا جزاء علي صنيعه وقد تبين لي أنه رجل يبيع الكفتة والكباب وله عربة صغيرة واقفة بجوار المقهي فيها جميع معداته من وابور وطاسة ومقلاة وجفنة.
وهذا الرجل من الناخبين!
ولما وقفت في المقهي خطيبا كان صوتي يرن رنينا وكان لصداه في المكان الرحب وقع جميل علي سمعي فكنت أترنم بالألفاظ ومقاطع الكلم ترنيما، وقمت من المقهي بعد أن أديت الأتاوة المعلومة لصاحبها والأتباع في أعقابي.
كانت الجولة في تلك الليلة مضنية حقا طفت فيها بأكثر شوارع الدائرة وخطبت فيها خمس مرات، مرتين في منزلين وثلاث مرات في ثلاثة من المقاهي، وكنت إذا وجدت الجالسين في المقهي من العمال تحدثت إليهم عن قوانين العمل وعن أخطاء المشرع فيها وعما أراه من عيوب واجبة التعديل والتحوير، وإن كان الجالسون من النوبيين تحدثت إليهم عن الأواصر المتينة التي تربط بلادهم بباقي القطر وعن الواجب الوطني الملقي علي عاتقهم كناخبين، وهو أن يتحروا الدقة في اختيار النائب الذي يلبي لهم طلباتهم ويعمل علي النظر في صوالحهم وصالح الدائرة بل الدوائر الانتخابية جميعا، وإن كان الجالسون من أبناء الصعيد قلت أنهم ليسوا ضيوفا في هذا الثغر الجميل، بل هم أصحابه علي اكتافهم يقوم عمران المدينة ورقيها وبسواعدهم القوية زاد إنتاجها وأخذت زخرفها وأزينت، وأن العدالة الاجتماعية تقضي بأن ينالو نصيبا مما تتمتع به المدينة من وسائل الراحة والدعة والرفاهية وليكن هذا النصيب أن تتجمل منازلهم وتمتد يد الإصلاح إلي أزقهم ودروبهم ، وكنت ألاقي من جميع المستمعين علي اختلاف أوساطهم الاجتماعية انصاتا واستحسانا وكنت بسيطا كل البساطة في خطاباتي ولم أقدم لهم شيئا من الآراء أو المباديء المعقدة التي يدق فهمها ويصعب تقبلها.
كان يضيق أكثر خصومي بخطبي وكان يرد عليها البعض بالمال يغدقونه علي العاطلين والأطفال المشردين الذين يلاقونهم في جولاتهم .
كنت في الكثير من الليالي أختم جولتي في الساعة التاسعة أو العاشرة ليلا ولكن أحد المنافسين كان يستمر في جولاته حي الساعة الثانية بعد منتصف الليل ولم يكن يلقي خطابا وإنما كان يكتفي بالجلسة في المقهي يعطي نقودا أو يسير علي قدميه تحتاط به فرقة كبيرة من الهاتفين، وقد رأيته يوما يسير في وسط جمع من المأجورين وقد رفع بعضهم أعمدة من الخشب تعلوها مصابيح غازية ويتقدم الجمع حملة الطبول والسيوف وهم يرقصون ويدقون ولما سألت أحد الواقفين الذين يشاهدون المنظر قال - هذا عريس يزفونه.
وتبينت أن هذه العبارة قيلت علي سبيل السخرية وأن العريس لم يكن سوي هذا المنافس.
وفي الحق أن بعض المرشحين لم يكن يعرفون عن المعركة إلا أنها زفة وعن الوسائل المؤدية إلي النجاح فيها إلا الطبل والزمر، وقد كانوا أصدق فهما وأدق وعيا لعقول الناخبين فإن هؤلاء كانوا يسيرون في الزفة طروبين ويهللون للطبل والتزمير.
ناصر أفندي
غاب السيد أفندي المدرس والخطيب الكذوب ولم يحضر إلي مكتبي أياما كثيرة مع أني كنت أعتمد عليه في مخاطبة الجماهير وتخفيف بعض متاعبي الخطابية ورحت أسأل عنه في المدرسة التي أفهمني أنه أحد مدرسيها فلاقيت هناك شابا طويل القامة حلو الحديث طلق المحيا وقد دهشت إذ علمت أن هذا الشاب شقيق الخطيب الكذوب وأنه بدوره خطيب ولكنه ممن يخافون الله فيما يأتون ويدعون، وأنه تقي ورع وأنه ليس من أولئك المنافقين الذين يبتزون الأموال ابتزازا وقد انعقدت بيني وبين هذا الشاب ويدعي «ناصر أفندي» أواصر وثيقة وكنت لا أتخلي عنه يوما واحدا وتبين لي أنه ثقة في شئون الانتخاب بل كان من خير المنظمين للمعركة وقد كسبت بانضمامه إلي كسبا كبيرا.
كان «ناصر أفندي» يدير المدرسة التي زرتها وكان تحت إدارته عدد من المدرسين يبلغون الخمسة وكانت زوجته من ضمن المدرسين كذلك وكنت إذ زرت المدرسة أدخلني إلي كل فصل من فصولها وكان يصيح قيام فيقف التلاميذ الصغار .
ثم يقول - سلام - فيرفعون أيديهم اليمني إلي جوار روؤسهم ثم يصيح هاتفا فليحيي الأستاذ فلان.
فيصيح التلاميذ مرددين الهتاف.
ثم يعود فيقول جلوس.
فيجلسون.
وقد أراد «ناصر أفندي» أن يؤثر علي الأطفال الصغار بهذا الهتاف حتي إذا حفظوه رددوه في منازلهم لأولياء أمورهم فتكون ثمة دعاية طيبة.
وكان «ناصر أفندي» أكرم من أخيه نفسا فلم يطالبني يوما بأي مبلغ من المال بل كنت أدفع له كلما رأيته تكبد مبالغ صرفها في وجه من الوجوه، وكنت أتولي دفع مرتبات الموظفين الذين قاموا بمساعدتي خير قيام، وكان «ناصر أفندي» يوجههم خير توجيه، وكان الحي الذي توجد فيه مدرسة «ناصر أفندي» حيا كبيرا أمكنه أن يقوم بالدعاية فيه بمعونة مدرسيه.
وكانت ل«ناصر أفندي» دار صغيرة مكونة من حجرتين صغيرتين فاتخذنا من هذه الدار مكتبا ثانيا للدعاية الانتخابية وكان من حسن الحظ أن وجدت مقهي قريبا من هذه الدار يرتاده النوبيون وحدهم، وكان صاحب المقهي يقدم للدار الانتخابية كراسيه في مقابل تكليفه بتقديم القهوة للمترددين عليها فلم نتكبد مصاريف استئجار الكراسي اللازمة للدار.
وكثر حضوري للدار الثانية وزيارتي لمدرسة «ناصر أفندي» وكنت أصطحبه معي دائما - بعد صلتي به- في كل جولة ليلية وكان يسبقني في الخطاب ويلقي خطابه ارتجالا في عبارة منتقاة ويغدق علي الأوصاف والسجايا الكريمة ثم يصيح هاتفا في آخر كلامه بحياتي وباسمي كنائب للدائرة وكان يري أن خير وسيلة للتأثير علي الناخبين هو أن يطالبهم بترديد الهتاف الآتي:
والله لا ننتخب إلا الأستاذ فلان.
وكان يري أن هذا القسم المنتزع من الهاتفين انتزاعا قد يؤثر عليهم يوم التصويت فلا يعدلون عما أخذوا أنفسهم به.
وكان يبتكر عبارات جديدة للهتاف ووسائل جديدة للتنظيم وكان يتحدث إلي جميع أهالي الحي، وقد رأيت في زيارته يوما شابا نظيف الثياب يرتدي بدلة يكسوها معطف جديد، وكان الشاب حليق الذقن والشارب يقص شعر فوديه عند منتصف الخد علي مثال الممثل السينمائي «فالنتينو» وكانت دهشتي عظيمة عندما علمت أن هذا الشاب ليس إلا عاملا في شركة من شركات النسيج وأنه رئيس نقابة عمالها وأن في مقدوره أن يستحضر العمال يوم الانتخاب لإعطاء أصواتهم لي.
ولما تحريت الأمر تبين لي أن جميع العمال غير مقيدين في جداول الانتخاب وأن أكثرهم لا يقيمون في الدائرة ومع ذلك فقد طالبته بأن يقدم لي كشفا بأسماء العمال الذين لهم حق التصويت، فإذا بهم يبلغون ثمانين عاملا، وقدمت الكشف للقسم فلم يقبل منها غير سبعة عشر أسما فقط وهم الذين يسكنون فعلا في الدائرة وقد تناول حضرة رئيس النقابة خمسة جنيهات اقتسمها هو والوكيل وأمين الصندوق، ولما أن حل ميعاد الانتخاب رفض أن يركب هو وعماله سياراتي ورأيتهم قد انضموا إلي مرشح آخر، وهكذا ضاعت أموالي وراحت جهودي التي بذلتها في سبيل قيد الأسماء، بل أن هذا القيد خولهم حق التصويت ضدي فكنت كمن يوجه لقلبه خنجرا من حيث لا يدري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.