تابعت الحوار الذي نشرته روزاليوسف مؤخراً بين سامح مكرم عبيد سكرتير مساعد حزب الوفد وبين محمد عبد القدوس الكادر الإخواني المعروف. والحوار كاشف جداً وبه العديد من الدلالات فسكرتير الوفد المساعد يؤكد طوال الحوار أن الوفد والإخوان شيئان مختلفان للغاية بدائلهما مختلفة وقضاياهم مختلفة وعقائدهما السياسية مختلفة وأحلامهما مختلفة والكفاح الوفدي يختلف عن الجهاد الإخواني ونقط البداية مختلفة ونقط النهاية والوسائل مختلفة بينما يريد الكادر الإخواني المعروف أن يؤكد له أن هذا ما كان زمان وأنه لم يعد هناك خلاف جوهري بين الوفد والإخوان. عبيد يحاول أن يؤكد له أن المبادئ مختلفة والأفكار أيضاً و(عبد القدوس) يؤكد له أن الوفد معارضة والإخوان معارضة ولا يجب أن تعارض المعارضة المعارضة فيؤكد له (عبيد) أنني لا أستطيع أن أضع يدي في يدكم. بدائلنا مختلفة أنت تعارض مثلي لكن البديل عندي لما هو قائم الآن يختلف عن البديل عندك فكيف نتحد وكيف نتفق.. لا يجوز. والكادر الإخواني يؤكد له عكس ذلك تماماً فيعود سكرتير مساعد الوفد ويؤكد للإخواني عبد القدوس أنه لا تنسيق بين الوفد والإخوان وأن هذا قرار صدقت عليه الهيئة العليا للوفد والمكتب التنفيذي للوفد أيضاً. فيعود عبد القدوس ليؤكد لسكرتير الوفد المساعد أنه سوف يحدث غير ذلك وسوف يتم تنسيق في جميع الدوائر وأن الأيام سوف تثبت أن ما قاله صحيح ولن يخوض أي وفدي معركة ضد أي إخواني. فيعود سامح مكرم عبيد قائلاً له ( قل ما تريد. الوفد لن يخلي دوائر من أجل الإخوان لأننا لا نتفق مع الإخوان لا في البدائل ولا في المبادئ). فيرد عبد القدوس ببرود شديد وإصرار وثقة قائلاً: ستثبت لك الأيام صحة ما أقوله. فيرد سكرتير الوفد: نحن نريد دولة مدنية. فيرد الكادر الإخواني: والإخوان يريدون دولة مدنية. فيرد عبيد: أفكارنا ليبرالية. فيقول عبد القدوس: لم يعد هناك خلاف جوهري بين الوفد والإخوان والرئيس الحالي للوفد قال: إن الوفد ليس علمانياً. فيرد سكرتير الوفد المساعد قائلاً: هذا رأي شخصي. فيقول الكادر الإخواني: لا بل رأي مؤسسة الوفد يرفض إلغاء المادة الثانية من الدستور فكيف يكون حزباً علمانياً؟. الكادر الإخواني يربط بين عدم اعتراض الوفد علي نص المادة الثانية ونفي رئيسه الحالي لعلمانيته وهذا كلام متسق طبعاً. فلا يصح أن تكون علمانياً (تطالب بحياد الدولة في الشأن الديني تجاه جميع المواطنين) وتتحدث عن دولة وطنية دولة كل مواطنيها بغض النظر عن الدين والجنس واللون والعرق والطبقة الاجتماعية.. إلخ. وفي نفس الوقت لا تعترض علي الجزء الأول من المادة الثانية التي تحدد ديناً رسمياً للدولة وتعتبر ما دونه ديانات غير رسمية!! كنت أتمني أن يستمر هذا الحوار المهم لكنه انقطع عند هذه النقطة بين كادرين كبيرين أحدهما وفدي والآخر إخواني وكل منهما تربي في مدرسة مختلفة عن الآخر. الأول تربي في مدرسة تفرق تماماً بين ما هو ديني وما هو وطني. والثاني تري في مدرسة تخلط بين ما هو ديني وما هو وطني. الأول تربي في مدرسة تفرف بكل أشكال الروابط بين البشر لكنها تعلي من شأن الرابط الوطني الجامع. والثاني تربي في مدرسة لا تفترف بغير الدين رباطاً بين البشر. الأول تربي في مدرسة داعية للجامعة الوطنية المصرية ومصالح الأمة المصرية. والثاني تربي في مدرسة أممية داعية للجامعة الإسلامية والأمة الإسلامية (يحكمنا ماليزي بس يكون مسلم). الأول تربي في مدرسة تري في اختلاف الرأي تعدداً وثراءً وأمراً طبيعياً وتنظر للمختلف بإعجاب وتقدير. والثاني تربي في مدرسة تري في اختلاف الرأي فتنة وفناء وتنظر للمختلف بحنق ورفض وريبة وشك. الأول تربي في مدرسة تقول بحرية الفكر والعقيدة وتري في الشواذ الفكريين (ملح الأمة) وحافزها ومحركها إلي التقدم والإبداع. والثاني تربي في مدرسة أصولية تري في فهمها الدين أصلاً لأصل مقدس إلهي. الأول تربي في مدرسة لا تعرف طريقاً للسلطة غير صندوق الانتخاب. الثاني تربي في مدرسة تعرف للسلطة طرقاً عديدة فالغاية تبرر الوسيلة. الأول يحلم بالوطن الجامع القائم علي المساواة. الثاني يحلم بالوطن الذي يفرق بين مواطنيه علي أساس الجنس (رجل / امرأة) والدين (مسلم / مسيحي).