سألت عن موعد إقلاع طائرتها فقالوا لها إن سوء الأحوال الجوية سيؤخر إقلاع الطائرة لبعض الوقت.. فكرت قليلا وأدركت أن التأخير سيطول وأن عليها البقاء لعدة ساعات علي الأقل في المطار.. ذهبت لتشتري كتابا وعلبة من البسكويت ليمر وقت الانتظار في استفادة وتسلية.. اختارت مقعدا في صالة الانتظار وتصادف أن رجلا ممسكا بكتابه هو الآخر كان يجلس في المقعد المجاور.. جلست وفتحت كتابها الجديد وبدأت في القراءة.. مدت يدها في علبة البسكويت المفتوحة بجوارها وأخذت قطعة لتأكلها أثناء القراءة.. وإذا بالرجل القارئ يمد يده في العلبة ويأخذ هو الآخر قطعة بسكويت.. اغتاظت كثيرا وبدأت في قضم البسكويت وهي تنظر في كتابها دون أن تقرأ، وإذا بها تسمعه يأكل هو أيضا.. تملكها الغيظ فهو لم يستأذنها في مشاركتها في الأكل.. ولكنها تمالكت أعصابها وعادت تحاول التركيز في القراءة.. انتهت من أكل قطعة البسكويت وهو أيضا أكل قطعته.. مدت يدها وأخذت قطعة ثانية، فمد يده هو أيضا وأخذ قطعة ثانية.. ارتفعت الدماء في رأسها من الغيظ ولكن خجلها منعها حتي من أن تنظر إليه.. ولكن خجلها لم يمنعه من تكرار فعلته مرة ومرات.. ففي كل مرة تأخذ قطعة من البسكويت، يأخذ هو قطعة أخري.. وهكذا حتي لم يتبق في العلبة سوي قطعة واحدة من البسكويت.. انتظرت لتري ماذا سيفعل.. أخذ القطعة المتبقية وقسمها إلي نصفين أكل إحداهما ووضع لها الأخري في العلبة لتأكلها.. مدت يدها وأخذتها وهي تجاهد حتي لا يظهر عليها كم الغضب الدفين داخلها، وأكلتها وكأنها لم تلاحظ شيئا.. دقائق قليلة وتم الإعلان عن إقلاع طائرتها الوشيك فحملت كتابها وشنطة يدها وقامت دون أن تنظر إلي وجه الرجل وأسرعت للطائرة.. جلست في مقعدها داخل الطائرة وفتحت شنطتها لتخرج المرآة وتري إلي أي مدي قد أحمر وجهها من الغيظ.. ولكن قبل أن تمد يدها لأخذ المرآة انهارت تماما.. حالما فتحت الشنطة وجدت علبة البسكويت الخاصة بها مقفولة كما هي منذ اشترتها ووضعتها في الشنطة.. لقد كانت تأكل من علبة البسكويت الخاصة بالرجل إذا.. يا للحرج.. هو كان قد فتح العلبة قبل أن تأتي هي وتجلس بجواره.. وبالصدفة كان نوع البسكويت هو نفسه النوع الذي اشترته هي.. ولكن كيف لم تفطن إلي أنها لم تخرج علبتها من الشنطة؟ هو قد قبل أن تشاركه طعامه ويقاسمها إياه دون أن يحرجها.. وهي التي كانت تأكل طعام الرجل دون استئذان.. ليتها أدركت هذا.. ليتها اعتذرت له، أو شكرته، أوحتي نظرت في وجهه وابتسمت.. تذكرت ما كان والدها يقوله لها باستمرار.. كان ينصحها ألا تتعجل في الحكم علي الأمور، أو أخذ مواقف سريعة.. كان يقول لها أربعة لا يمكن استرجاعها: الحجر بعد إلقائه، والكلمة بعد نطقها، والوقت بعد مضيه، والفرصة بعد ضياعها..