حينما أطلق الرئيس حسني مبارك شرارة التغيير في مصر عام 2005، كانت البلاد مقبلة علي استحقاقين مهمين هما الانتخابات الرئاسية التعددية، وانتخاب برلمان جديد، وتزامنت اختبارت التعددية السياسية، مع تعددية إعلامية غير مسبوقة تمثلت في ظهور نوع جديد من الإعلام الخاص، يمتلكه رجال أعمال عبر عن نفسه في صحف وفضائيات خاصة. وبينما لم يكن الإعلام القومي إجمالا علي قدر التحدي الذي فرضته المرحلة الجديدة، بدا الإعلام الخاص تحريضيا أكثر منه موضوعيا، وتبدلت أجنداته، فبدت في كثير من الأحيان غير واضحة، أو متسقة مع أصحابها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. فعلي سبيل المثال، انشغل الإعلام الخاص المرئي والمكتوب، بإبراز وتعظيم الإخوان المسلمين، ومناهضة سياسة التحرر الاقتصادي، والدفاع عن القطاع العام، ومساندة حركات احتجاجية، سعت إلي نشر حالة من الفوضي وعدم الاستقرار في البلاد، ومعروف أن مثل هذه التوجهات في ظل سيادتها تؤثر علي الاقتصاد الخاص، وتخلق حالة من الضبابية تقلق رؤوس الأموال الخاصة، أي أن صحف وفضائيات رجال الأعمال ضربت مصالحهم! لم يكن التعديل الدستوري الأول الذي سمح بإجراء أول انتخابات رئاسية تعددية كاملاً، فقد شدد شروط الترشيح بشكل مبالغ فيه، لكنه مثل خطوة أولي علي طريق اكتمال العملية الديمقراطية، لكن تصعيدًا جري في الشارع شاركت في تسخينه صحف وفضائيات خاصة بدأ أولاً بالقضاء، أوضح أن مؤسسات الدولة قابلة للاختراق، والتلاعب، وجر بعضها إلي صدام مع مؤسسات أخري، ما يعني حالة من النزاع الصاخب بين المؤسسات الدستورية. وبدلاً من أن يأتي التعديل الثاني الذي شمل 34 مادة من الدستور مكملاً لما حدث في التعديل الأول، لم يطرأ جديد علي المادة 67 الخاصة بشروط الترشيح للرئاسة، وجري تخفيف الإشراف القضائي علي الانتخابات العامة، ولم يعد كالسابق قاض لكل صندوق، وإنما اقتصر علي اللجان العامة، وهو ما اعتبر تراجعًا. لكن السؤال كيف قدمت الدولة قدماً في التعديل الأول وأخرت أخري في التعديل الثاني؟ في اعتقادي أن حالة الفوضي التي عاشتها مصر بين التعديلين الدستوريين، والدور الذي لعبه الإعلام الخاص، ودخوله كوكيل احيانا لتنفيذ أجندات أجنبية، شكل خطرا علي سنوات التغيير، والإنجازات وجعلها لا تصل إلي الناس، وربما غل يد الاتجاهات الإصلاحية داخل دوائر الحكم. وهكذا ساهم الإعلام الخاص مع دوائر أخري منها أحزاب المعارضة التي ارتمت في أحضان الإخوان أحياناً، وانشغلت بنزاعات داخلية في أحيان أخري.. عن ملء الفراغ الذي أتاحه التوجه نحو الديمقراطية وإرخاء الدولة لقبضتها، وفتحها مساحات لم تتقدم قوي شرعية لشغلها.. وظلت الفوضي هي عنوان تلك المرحلة التي كثرت فيها الإنجازات.. وتحالف كثيرون بوعي أو عن غير وعي في إفساد نتائج كان يمكن أن تغير وجه مصر.