بالضرورة هناك تحديات يقرها الجميع منا تواجه المجتمع المصري سواء علي الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي فقد أصبح كل شيء داخل المجتمع خاضعًا لمبدأ العرض والطلب الذي يحدده المستهلك بصفته محركًا للسوق علي الصعيد الاقتصادي والمواطن بوصفه الوحدة المكونة للمجتمع علي الصعيد الاجتماعي والسياسي فلم تعد الدولة تتدخل في الاقتصاد أو توجهه كالسابق.. كما أن الحريات السياسية والتنظيمية بدأت تأخذ منحي مستقلاً عن تدخل الدولة فأصبح المواطن حرًا في تكوين قناعاته السياسية أو موقفه قبل الدولة والتعبير عن ذلك من خلال الرأي أو القول أو الفعل فنشط المجتمع المدني والنقابي والحزبي في السنوات الخمس الماضية وتكونت الائتلافات ما بين الجمعيات والمنظمات والأحزاب والتيارات الفكرية والحركات السياسية المختلفة وعلي نحو ملحوظ وأصبحت الاتجاهات الفكرية والقناعات السياسية تحددها أيضا مصلحة المواطن التي لا تفرضها السلطة عليه وإنما تعبر عنها قدرة التنظيمات الموجودة علي الساحة في أن تحقق ما ينشده المواطن وإن لم تستطع تلك الأخيرة أن تقدم للمواطنين معالجات تخدم قضاياهم ومشاكلهم الملحة. لكن الأمر برمته يبدو إيجابيا وعلي المدي البعيد سوف يتحول الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي تشهده مصر الآن إلي مكون يدعم بشكل أساسي قضايا المواطنين في الدولة ويعبر عن همومهم ومشاكلهم ويخلق الحلول الجذرية لتلك المشاكل، لكن الأمر لا يبدو تحققه بعيدا وبشكل مطلق عن تحقق مبدأ سيادة القانون وهو المبدأ الذي سيكفل للإصلاح دوره في تحقيق أهدافه في النهوض بالبنية المجتمعية والمساهمة بأن تقوم الفئات الضعيفة والمهمشة بدور أكبر علي الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. لكن هذا المبدأ ليس مجرد كلمتين تتراصان علي السطور فيعطي إليها بريقا أخاذًا يشعرك بأن من قام بكتابتهما يستطيع أن يحقق الديمقراطية ويضمن لك الحكم الرشيد ولكن المبدأ لتطبيقه وجني ثماره يجب أن ينفذ عن قناعة ورغبة جدية يدفعها تغيير سلوكي مادي في تصرفات المواطنين فيجب أن يتجذر مبدأ سيادة القانون في وجدان المجتمع ويصبح الدافع إلي كل تحركاته غير مصحوب بالنظرة القاتمة التي تمتزج بتفكير البعض ممن يري في القانون سلاحا يطبق علي الفقراء لصالح الأغنياء دون مردة الأمر إلي علته في أن سيادة القانون عندما تتحول من مبدأ إلي قناعة واعتقاد وممارسة سيستوي الغني والفقير أمام نصوصه المجردة . وإن كون الأفراد علي وعي تام بأن تمسكهم بالقانون هو السبيل الوحيد لتطبيقه وإن كان هناك من يتحايل عليه فإن تحايله لا يغري الجميع علي أن يجنح إلي ذات الغرض مفترضا أن هذا هو الشائع أو الواقع أو السبيل لتحقيق المصلحة ولكن يخترق التساؤل وبقوة صلب الموضوع، ما السبب الكامن وراء عدم تطبيق مبدأ سيادة القانون؟ لم تتضح لي الإجابة الشافية بعد. توجهت إلي والدي لأسأله نظرا لخبرته الكبيرة في هذا الصدد بحكم طبيعة عمله كمحام لأكثر من خمسة وثلاثين عامًا شهدا منها ما شهد في واقع الحياة القانونية والعامة من وقائع وأحداث تجعله جديرا بالحكم علي أسباب عدم انطباق المبدأ بشكل كامل وكذلك الصعوبات التي تكتنف تطبيقه وكان رده علي تساؤلي موجزا في الآتي: المجتمع المصري يواجه الآن أربعة أصدع تحيط بمبدأ سيادة القانون وتمنع من تحققه علي النحو الكامل وتلك الأصدع من الأهمية للتصدي لها ما للمرء من التمتع بالهواء النقي من أهمية وتتمثل تلك الأصدع في النقاط التالية: 1- عدم اعتراف البعض بالدولة المدنية (دولة سيادة القانون) والرغبة في إقامة دولة دينية علي حطام الدولة المدنية وهو الأمر الذي يخلق ازدواجية في النظر إلي التشريع الوضعي ويجعله في مرتبة متأخرة جدا في الإلزامية بالنسبة إلي الأحكام الشرعية التي يحتكر إصدارها وترويجها بعض الآراء التي تفترض الخطأ في كل ما يعارضها من أحكام ولا تقبل المناقشة والحجة أو الإقناع. 2- عدم الاعتراف من قبل بعض الفئات داخل المجتمع بمبدأ سيادة القانون بدعوي أن القائم علي تطبيق القانون هي السلطة والسلطة تقوم بتطبيق القانون حتي تحقق مصالح تبتعد عن مصالحها وهو الأمر الذي يجعل الدولة خصمًا لتلك الفئات تري في تصرفاتها حتي إن كانت مستندة إلي القانون تصرفات غائية تخدم مصالح البعض وتتجاهل مصالح الآخرين ويلعب الخلاف ما بين تلك الفئات وبين السلطة دورا بارزا في عدم الاقتناع بالمبدأ من الأساس وهو ما يدع لتلك الفئات مبررًا في الخروج علي أحكام القانون لكونه لا يعبر عن مصالحها الشخصية. 3- الثقافة المحلية والأعراف التي تولدها تلك الثقافة التي تعزز ممارسات تتنافي مع مبدأ سيادة القانون وتعتبر شريعتها قانونا ملزما لها وللمنتمين إليها لا يجوز الخروج عليه (عادات الثأر في الريف والصعيد- الميراث في الجنوب- المجالس العرفية- إباحة بعض أنواع التجارة كتجارة المخدرات في سيناء مثلا). 4- استغلال القانون استغلالا نفعيا من قبل بعض القائمين علي تنفيذه لتحقيق مصالح شخصية وهو الأمر الذي يعزز من قناعات الأفراد بعدم انطباق مبدأ سيادة القانون علي جميع المواطنين داخل الدولة وعلي نحو عادل ويمثل سببا يستخدمه البعض كذريعة للخروج علي القانون. وتلك الأصدع إن كانت تحقق شيئًا فهي تحقق اختلالاً في مسار التحول الديمقراطي وإهدار كامل لمبدأ سيادة القانون وإلزاميته ولا تعبر عن اختلاف مع الدولة وهو الأمر الداعي، إلا أن تواجه بكل حزم حتي لا تتحول تلك الأصدع إلي شروخ وانكسارات داخل المجتمع من الصعب التصدي لها ويأبي أي منا أن يري نتائجها المدمرة علي الواقع المصري علي اختلاف توجهاته وقناعاته.