عبارة سخيفة سمعتها بالصدفة علي شاشة التليفزيون علي لسان الممثل أحمد رمزي تستوجب منه اعتذاراً، كان الممثل رمزي عندما حل ضيفاً علي المخرجة إيناس الدغيدي في برنامجها "الجريئة والمشاغبون" ودار حديث بينهما عن الفنان محمود الجندي انتهي إلي سؤال من الدغيدي: أنت عارف إن الجندي بقي متدين؟ كان السؤال بالطبع بطريقتها الساخرة تجاه من تراهم تدينوا، وهذا أمر يعود لها، لكن المهم هو رد أحمد رمزي عليها عندما قال: "لأ ده اللي بقي أنيل منه حسن يوسف" والمعني الذي كان الممثل يقصده أن الفنان حسن يوسف أصبح أكثر تديناً من محمود الجندي. المفهوم من الحوار أن التدين أصبح "نيلة" وأن القياس في درجة التدين صار أن فلاناً أصبح "أنيل" من فلان. لم تعلق المخرجة التي تقدم البرنامج علي كلام ضيفها وإنما بدا عليها الارتياح عندما اكتفت بالتعليق وهي فخورة بضيفها: "أنا عارفة إن انت ملكش في الكلام ده خالص".. فعلاً جريئة!. لكن الضيف لم يكن مشاغباً وإنما "متجاوز" أو "جلياط"، خصوصاً أن النقاش لم يكن يدور أصلاً حول ظاهرة تدين الفنانين مثلاً أو حجاب الفنانات وإنما بدأ عن ذكريات أحمد رمزي، فنذكر واقعة شاركه فيها محمود الجندي. شخصياً لم أتابع برامج التليفزيون في رمضان ولكن الصدفة جعلتني هدفاً وأصابني كلام "سخيف"، وما أكثر السخف في زماننا. عموماً انتهي شهر رمضان من دون أن يغيب عن الذهن مشاهد صارت من مفردات الشهر الكريم كل سنة، عندما تزدحم المساجد والساحات بالآلاف عقب صلاة العشاء حتي الفجر لأداء صلاة التراويح والتهجد، وبعيداً عن سخافات أهل الفن والتليفزيون، أسأل نفسي دائماً السؤال الذي ربما دار في أذهان غيري، وسألوه لأنفسهم، أو ربما سألوه أيضاً لشيوخ وعلماء في الدين الإسلامي وتلقوا الإجابات عنه، لكن السؤال يعود ليفرض نفسه في الشهر الكريم: لماذا لا يستجيب الله لدعاء ملايين المسلمين ويصلح أحوالهم؟ ثم تأتي كالعادة أسئلة أخري: لماذا لا يستجاب لدعاء هؤلاء الذين تأثروا بصوت وكلام الإمام أو القارئ أو المنشد وبكوا وسالت دموعهم علي صدورهم؟ لم اذا بقيت مشاكل المسلمين كما هي منذ قرون وعهود من دون أن تحل بل إن بعضها زاد وتشعب وتعقد وصار غير قابل للحل إلا إذا استجاب رب العباد الدعاء، وهو لا يستجيب، وإلا كانت الأحوال تغيرت؟ ثم يأتي السؤال المنطقي: هل كل هؤلاء الذين زحفوا إلي المساجد والساحات طوال شهر رمضان في مصر وباقي الدول الإسلامية وحجزوا أماكن في الصفوف الأمامية أو لحقوا مكاناً "بالعافية" في الصفوف الخلفية وحرصوا علي أداء صلاتي التراويح والتهجد وهتفوا وبكوا وهم يرددون علي دعاء الإمام آمين، وانهمرت دموعهم خشية من الله وحباً فيه وأملاً في مغفرته وطمعاً في كرمه وعفوه. هل كل هؤلاء كانوا صادقين في دعائهم أو خشيتهم من الله وخوفهم منه؟ ماذا فعل هؤلاء بعدما خرجوا من المساجد؟ هل عملوا بما كان الإمام يتحدث عنه قبل الصلاة؟ هل تلك العيون التي انهمرت منها الدموع توقف أصحابها عن ارتكاب المعاصي بمجرد خروجهم من المساجد وانتهاء الصلاة؟ لماذا بقيت أحوال المسلمين هكذا؟ هل لأن من يدعون ليسوا مؤهلين للدعاء، أو أنهم غير جادين فيه، أو لأنهم لم يؤهلوا أنفسهم للوقوف أمام الله والدعاء له، أو لأنهم غير صادقين مع أنفسهم ومع غيرهم ولا يدركون أن الله عالم بما في صدورهم ويدرك عدم صدقهم؟ لم تكن تلك الأسئلة افتئاتاً علي الله في مغفرته لمن يشاء أو استجابته جل وعلا لمن يريد، ولكنها أسئلة فرضتها مشاهد المسلمين في رمضان وهم يتزاحمون من أجل الصلاة، عندما يتوجه كل منهم إلي الله طالباً المعونة أو السند أو العون أو العفو أو المغفرة أو الرحمة أو العدل أو الرزق. هل يستجيب الله للصوص في أن يزيد رزقهم من السرقات؟ هل يستجيب الله لدعاء الفاسدين ليزيدوا من فسادهم وإفسادهم؟ هل يستجيب الله للمتاجرين بالدين كي تسهل لهم تجارتهم فيتربحوا علي حساب دين الله؟ هل يستجيب الله للمنافقين فيبقيهم في مواقعهم مكافأة لهم علي نفاقهم وكذبهم وخضوعهم لغير الله تمسكاً بالمقاعد وتعلقاً بالنفوذ وطمعاً في المال؟ هل يستجيب الله لدعاء المهملين فيزيد من أرزاقهم من دون أن يعملوا أو يبذلوا جهداً أو يعطوا العمل قيمته؟ ألم يكن النواب الذين سيحاكمون في واقعة العلاج علي نفقة الدولة يبكون وهم يصلون ويدعون في رمضان؟ ألم يسبقهم إلي الدعاء والبكاء المسئولون في وزارة الثقافة الذين أهملوا؟ لم يسبق أولئك وهؤلاء عشرات الفاسدين معدومو الدين والأخلاق وكل القيم الإنسانية ممن تزاحموا علي الصلاة والدعاء والبكاء ولم يستجب الله لهم؟ .. لا تحتاج كل الأسئلة في المقال الي إجابة.. لأنها معروفة!