رحلة طويلة ومثيرة قضاها أقدم مراسل صحفي في بلاط صاحبة الجلالة، بدأها عام 1951 ومازال حتي الآن، رغم بلوغه 82 عامًا، صادف خلالها مواقف مثيرة وعقبات وأزمات. ماهر نجيب أو «جدو» كما يحلو للمراسلين تسميته يروي ل«روزاليوسف» مواقف طريفة في حياته الصحفية، رغم ما تكبده من معاناة، فهو يتذكر قرار منع كحك العيد الذي أصدره محافظ الفيوم ونقله لأسيوط بعد نشر الخبر وذكاء الأستاذ الكبير مصطفي أمين. يقول ماهر نجيب مراسل أخبار اليوم والشهير ب«جدو» بدأت العمل في الصحافة في أوائل عام 1951 وأنا طالب بكلية التجارة جامعة فاروق بالإسكندرية، حيث كان جاري غريب كامل حسونة مدير مكتب أخبار اليوم بالإسكندرية في ذلك الوقت الذي طلب منه ترشيح شاب مصري جامعي للعمل صحفيًا، خاصة أن أغلب من يعملون كانوا من «الشوام» ولا يحملون أي مؤهلات جامعية وكان راتبي 15 جنيها شهريا وهذا المبلغ في ذلك الوقت يعتبر ثروة كبيرة.. فاعترض والدي رغم المبلغ الكبير الذي كنت أتقاضاه، خاصة أن والدي لرغبته في أن أعمل موظفا بالحكومة، لكن حبي للعمل الصحفي وبريقه جعلني أتمرد علي اعتراض والدي خاصة أن جميع الأبواب كان يتم فتحها أمامي وحضرت كثيرا لقاءات للملك فاروق أثناء زيارته للإسكندرية. ويضيف نجيب: العمل الصحفي في تلك الفترة كان غاية في الصعوبة سواء في الحصول علي المعلومات أو إرسالها لمقر التحرير في القاهرة، حيث كنا نضع الرسالة الصحفية في صندوق حديدي له قفل ويتم إرساله بالقطار، حيث ينتظره مندوب من الجريدة بمحطة مصر ثم يقوم بفتح الصندوق ويحصل منه علي الرسالة ويرسل الصندوق فارغا عبر القطار مرة أخري. ويستطرد نجيب: بعد ذلك انتقلت للعمل مراسلا للأهرام وبعدها تطور الاتصال فكنت أنتظر 3 ساعات لإجراء مكالمة تليفونية. في عام 1960 كان يغلب علي الصحافة أنها تتبع أفرادًا فأختارني مصطفي أمين للعمل مراسلاً للفيوم وفي هذه الفترة تم اختيار المرحوم محيي الدين أبوالعز كأول محافظ للفيوم وهنا كانت بداية مشاكلي مع الصحافة في أحد احتفالات شهر رمضان والتي كان يحضرها المحافظ والشيخ عبدالباسط عبدالصمد القارئ المعروف والحاشية المستفيدة من المحافظ والذين أوحوا للمحافظ أن كعك العيد يتسبب في حدوث مشاكل بين الأزواج وطالبوا بمنع صناعة الكعك في الفيوم وبالفعل وقف المحافظ وأعلن منعه صناعة الكعك في هذا العام. بالإضافة إلي منع بيع الدقيق الفاخر للمواطنين حتي لا يتمكنوا من صناعة الكعك سراً وكان ذلك قبل العيد بأسبوع فقمت بالاتصال بالراحل مصطفي أمين والذي حصل مني علي مضمون الخبر تليفونياً وبالحس الصحفي لمصطفي أمين وبذكاء قام بالاتصال بالمحافظ باستراحته وكان ذلك يوم الجمعة فردت عليه زوجة المحافظ وعرفها بنفسه مؤكداً لها أنه يطلب المحافظ لتهنئته بقرار منع الكعك فأكدت زوجة المحافظ صحة المعلومات. وقام أمين بنشر الخبر في جريدة الأخبار في صدر الصفحة الأولي فقرأ المرحوم كمال الدين حسين وزير الحكم المحلي الخبر فاندهش الوزير من قرار محافظ الفيوم وثار علي المحافظ وطالبه بسرعة إلغاء القرار الذي قد يحدث ثورة علي مستوي مصر وليس الفيوم خاصة أن الكعك مرتبط بأعياد المسلمين منذ العصر الفاطمي. وأصدر الوزير بيانًا شديد اللهجة ضد المحافظ معتبراً القرار تدخلاً في شئون المواطنين وعاداتهم ولا يصح أن يصدر قرار بذلك المعني. وقرر المحافظ نقلي إلي مدرسة بأسيوط حيث كنت أعمل مدرساَ رإلي جانب الصحافة فسافرت علي الفور إلي مصطفي أمين وأبلغته بالإجراءات التي اتخذت فقام بالاتصال بكمال الدين حسين وزير الحكم المحلي والذي قرر إلغاء قرار المحافظ بنقلي وزوجتي والاستمرار في عملي الصحفي والتدريس في الفيوم. رغم أن المذكرة المحررة ضدي كانت عبارة عن ممارسة مهنتين في وقت واحد بالمخالفة للقانون وكانت المفاجأة أن الوزير منحني تصريحًا بالعمل بالصحافة وبهذا التصريح ظللت أعمل بالصحافة طوال الفترة التي قضيتها مدرسًا قبل استقالتي من وزارة التربية والتعليم عام 1990.