من حقنا أن نفتخر بالإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر فضيلة الدكتور أحمد الطيب، بعد إطلالته الأولي في المناسبة الأهم لأي شيخ للأزهر، تلك التي نشهدها كل عام في الاحتفال بليلة القدر.. خصوصاً أن الاحتفال له قيمة تمثل مزيجا ما بين الخطاب الديني والسياسي.. ولأنه «احتفال رسمي».. يتوجه فيه الرئيس بخطابه إلي شيخ الأزهر أولا.. وتكون فيه كلمة الإمام الأكبر ذات وقع مهم. اكتسبت كلمة الدكتور الطيب أهمية متضاعفة هذا العام.. أولا لأنها المرة الأولي بعد توليه موقعه الرفيع، وثانيا لأنه اختار أن يظهر لجمهور المسلمين وبقية أتباع الأديان الأخري بمضمون رائع، وغير متوقع عبر فيه عن مقومات شخصيته، وتاريخه العلمي العميق، وتبصره بالأحوال المحيطة بالأمة، ولغة تليق بعصر متلاطم، اشتبكت مع الجدل المثار، وبحيث اعتمرت كلمته برسائل منوعة وقيمة عالية، وتجلي فيها قاموس راق، ومنطق مثير للاندهاش. لقد تخلي الإمام الأكبر عما يمكن أن أصفه بأنه «نيرف المنبر»، أو الأداء المتوقع من شيخ يخطب، وتحلي بمواصفات إمام يقول كلاما له منطق، لا يحتاج إلي صخب وزعيق في الإلقاء، وبخلاف الشكل فإن المضمون اكتسب رصانته من مضمون الفكر الذي عرضه، قاصدا أن يبلغ إلي المسلمين والأجمعين غيرهم رسالة حول المساواة التي تبني قيمها الإسلام. إن المنتظر في هذه الخطبة وفق التقاليد المعتادة هو أن تنبني علي امتداح لفضل ليلة القدر، وذكر محاسن الصوم في ختام شهر كريم ثم اختتامها بأدعية شجية ذات شجن للبلد ورئيسه وللمسلمين، وقد قام الشيخ بكل هذا، بقدر يلائم أسلوبه، لكنه ركز علي أن يعلي خطابا مختلفا، مقارنا، يوضح فيه بعضا من مرصعات فكر الإسلام وعقيدته، عاقدا سجالا بينه وبين الظروف التي أحاطت بالعالم إبان نزوله وقبل الهام النبي محمد صلي الله عليه وسلم برسالته، وكان مفاجئا أن يرد في هذا الخطاب حديث عن أرسطو وأفلاطون.. بلهجة فيلسوف انتقادي.. أدخلت المسلمين في عملية عقلية ثقافية مهمة.. طرحها عليهم الطيب. كان الإمام الأكبر يوجه كلمته للمسلمين ولكنه في ذات الوقت كان يحاور الآخرين بلين الكلام وما يقنع من المبررات، مرغبا لا مرهبا، مسوقا لا حارقا، بانيا لا هادما، وتلك هي إحدي مواصفات الخطاب الديني المتجدد التي نري أنها واجبة.. ولعلها مفارقة مهمة أن يخلو خطاب الرئيس هذا العام من مطالبته لرجال الدين بتجديد الخطاب الديني.. وهي المناشدة التي يكررها للعلماء في كل عام.. ونحن نأمل أن يكون خطاب الإمام الأكبر هذا العام نقطة انطلاق في هذا السياق. لا غرو أن أذكر هنا أن الأصول أن يكون الرئيس قد اطلع علي مضامين الخطب التي سوف تلقي في حضوره.. أصول لا قيود.. أما وإن الرئيس قد وجد الخطاب يتبني منهجا في التجديد فإنه لم يكرر مناشدته.. وفق ما استنتج تحليلاً. إن مهمة شيخ الأزهر ليست وظيفة كما أنها ليست مجرد موقع إسلامي راق، في بلد وصفه الرئيس في خطابه بأنه «حصن الأزهر»، ولكن تلك المهمة لها أبعاد متنوعة، هي التي تجعلنا نصف الشيخ بأنه الإمام الأكبر كما يقول لقبه الرسمي.. وإذا كانت القاعدة هي إذا كنا نريد أن ترتقي مكانة ومصداقية الأزهر فإن علينا بدورنا أن نحترم الأزهر ونصونه ونذود عنه.. فان القاعدة الأهم علي الجانب الآخر هي أن علي الأزهر أن يكون علي قدر الأماني التي تلاحقه والمكانة التاريخية التي يتصف بها.. ومن الواضح أن في كلمة الإمام الأكبر باعتبارها عنواناً لخطاب ديني جديد ما يشير إلي أننا بصدد مرحلة مختلفة. من المؤكد أن الخطاب يحتاج إلي تحليل أوسع وفحص أكبر لمضمونه، لكن ما لابد أن نتوقف عنده الآن هو الزاوية التي اهتم بها فضيلة الدكتور الطيب حول علاقة الإسلام بالسيف، تلك التي بدت آثارها تتوجه إلي عشرات من الجهات.. المسلمة وغيرها.. التي تتهم الإسلام بأنه رفع السيف.. وتلك التي تريد للإسلام أن يكون شعاره السيف. لقد قال الشيخ الطيب: إن القرآن كله خلا من كلمة السيف.. ولعل هذه ضربة منه بهدوء شديد لشعار جماعة محظورة.. ترفع السيفين بينما هما لم يرد بشأن ذكرهما شيء في القرآن. تحية واجبة للإمام الأكبر.. وهنيئا للأزهر بشيخه.. وللمسلمين ب «طيبهم». الموقع الإ لكترونى : www.abkamal.net البريد الإلكترونى : [email protected]