اعتمدت رئاسة حزب الوفد علي أحد الوفديين الصغار الذي تطوع بالرد علي خلافي مع رئيس الوفد حول تصريحاته وتأكيداته -بدون مناسبة- ونفيه لعلمانية الوفد الذي نشرته روزاليوسف علي حلقتين حيث نشرت صحيفة الوفد في صدر صفحتها الخامسة المعنونة (متابعات) تحت عنوان (بقرة العلمانية المقدسة) اتهمني كاتب الرد بأنني (لا أستطيع التفرقة بين ما هو جوهري وما هو هامشي) وكأنني أنا وليس رئيس الوفد هو من ترك المهم والمرحلي (الانتخابات البرلمانية) وراح يفرد للخلاف السياسي حول ثوابت الوفد التاريخية حواراً مجتمعياً واسعاً ثم يدخل الآن إلي خلاف آخر حول اللائحة في وقت يتطلب فيه حسم الأمر حول خوض الحزب للانتخابات من عدمه فالوقت ضيق والمرشحون تائهون والدوائر تعج بالدعاية والتنافس الانتخابي علي أشده، بينما تغيب لافتات الوفد عن الشارع، ثم أخذ ينفي حقي في الاختلاف بشتي الطرق حتي ولو كان ذلك علي حساب تقاليد الوفد الراسخة وسمعته وتاريخه رافعاً شعار (سيبهولي يا معلمي) وراح يصف فكري (بالضحالة المضللة) و(السذاجة المفرطة) كما راح يصفه(بالضلال) وأنني (أنشر الظلام في طريق المصريين نحو الخلاص). وبأنني (أداة في يد نظام الاستبداد (عميل يعني) واتهمني (بعدم الإدراك والسذاجة) وحاول أن يتظاهر بأنه يعلمني ويعلم أمثالي باستخدام تعبيرات مثل (وأقول للمرة الألف) أن العلمانية كانت نشأتها في أوربا رداً علي استبداد رجال الكنيسة وهي أزمة غير موجودة بالدين الإسلامي، لذلك فهي لاتلزمنا! في حين أنه لا يزال (يحبو) في مجال الكتابة الصحفية عموماً والرأي علي وجه الخصوص ولا يكاد ينهض حتي يكبو أما عن الرأي الرسمي للوفد فقد صرح به للصحف المستشار الإعلامي لرئيس الوفد قائلا إنني «شخص مجهول أختلق أزمات تحت زعم الدفاع عن العلمانية) وسوف أترك الوفديين يردون عليه ويترحمون علي فارس الصحافة العربية وليته تعلم منه كما تعلمنا». أما المتطوع الصغير فهو لا يدرك أنه يزيف إشكاليات العلمانية أثناء رده ويردد حججًا قديمة لرفض العلمانية فلا يجب أن نقارن بين تاريخ المسيحيين في أوربا والدين الإسلامي ولكن يجب أن تكون المقارنة بين تاريخ المسيحيين وتاريخ المسلمين وإذا كانت العلمانية قد اعتبرت حلاً ناجزاً للحروب بين الطوائف المسيحية المتناحرة لمدة ثلاثين عاماً فلماذا لا تكون حلاً للحروب بين طوائف المسلمين المتناحرة لمدة ألف سنة فمنذ معركة الجمل وصفين والنهراوين التي تقاتل فيها صحابة الرسول وكتاب الوحي والمبشرون بالجنة وابن عم الرسول وزوجته مروراً بمذبحه كربلاء التي جزت فيها 72 رأساً بالإضافة إلي رأس الحسين كانوا جميعاً من (عائلة الرسول) علي يد أمير المؤمنين يزيد بن معاوية، ومروراً بالصراع السني الشيعي الذي كان سبباً في مذابح وكوارث مدة 6 قرون، ولم تنطفئ ناره حتي اليوم، ضربت خلاله الكعبة المشرفة مرتين بالمنجنيق وهدمت علي أيدي مسلمين ولعن سيدنا علي ألف شهر علي المنابر بسبب الخلاف علي الإمارة وتحول مسجد الرسول إلي اسطبل تبول فيه الخيل واغتصبت المسلمات ولقد زاد الطين بلة حيث انقسم السنة إلي فرق متناحرة وانقسم الشيعة إلي فرق متعددة وكل منهم يدعي الحقيقة المطلقة. لقد تسبب تغييب المسلمين للمخرج العلماني لتلك الفتن والحروب والمذابح في ديمومة الصراع الطائفي واستمراره بدلاً من نهايته بعد ثلاثين عامًا فقط كما حدث في تاريخ المسيحية علي يد العلمانية - راجع المفكر جورج طرابيشي العلمانية إشكالية إسلامية إسلامية. والمتطوع الصغير هو أحد ضحايا د.محمد عابد الجابري فهو أول من زيف الإشكالية العلمانية في الشرق وهو أول من ردد العبارة التي استند إليها المتطوع الصغير. يقول طه حسين «في أوربا خاضت العلمانية معارك شرسة حتي فرضت نفسها وهذا بسبب الكنيسة القوية في الغرب والحال أن الإسلام ليس فيه كنيسة فما أسهل بالتالي أن يتعلمن المسلمون». المتطوع الصغير يقول إن هناك دولاً دكتاتورية وعلمانية في نفس الوقت.. وما ذنب العلمانية في ذلك؟! العلمانية أداة قد يستخدمها نظام استبدادي، لكنها -العلمانية- توأم الديمقراطية التي لا تستطيع الديمقراطية أن تحلق بدونها وأنظمة الحرب الباردة الدكتاتورية العلمانية التي يستشهد بها المتطوع الصغير عندما سقط النظام تحولت علي الفور للديمقراطية ولم يحدث ما حدث في العراق عند انهيار النظام الحاكم لأن العلمانية كانت قد فرقت بين المجال الخاص للفرد والمجال الوطني العام أما حكاية أن العلمانية ضد الدين فهذا معناه أنه لا فرق بين بعض شباب الوفد وبين شباب الجماعات الإرهابية المتطرفة وعلي فكرة لا يوجد شيء اسمه «العلمانية الملحدة»! وإذا كانت مبادئ العلمانية هي حياد الدولة تجاه الشأن الديني لمواطنيها وحياد المدرسة الحكومية تجاه الشأن الديني لطلابها مسئولية الدولة عن حماية حرية الضمير والاعتقاد، ففي ظل العلمانية وحدها سوف يستعيد الدين مجال فاعليته في المجتمع المدني. العلمانية تهيئ للدين جو الانعتاق من أسر السلطة السياسية، لقد كان دور العلمانية في أوروبا هو نقل الدين من الحيز السياسي للدولة إلي حيز المجتمع المدني والتطبيق الكمالي للعلمانية أفرغها من أساسها فلقد أغلق أتاتورك المدارس الدينية -إسلامية ومسيحية- وهذا ضد حياد العلمانية. حزب العدالة والتنمية -ذو الاتجاه الإسلامي- فاز في الانتخابات التركية لأنه دعا لعلمانية حقيقية محايدة بعيدا عن التطبيق الكمالي المنحرف للعلمانية أردوغان يقول وصف حزبي بالإسلامي إهانة للحزب وللإسلام مفتي سوريا قال: «العلمانية ليست ضد الدين، فهي تعطي لكل إنسان كرامته وحقوقه»، ويضيف قائلاً: «أنا مسلم علماني، ولست ضد العلم والعلمانية». د.فؤاد زكريا في كتابه «الصحوة الإسلامية في ميزان العقل»، صفحة 46، يستشهد بما رواه إبراهيم باشا فرج (جريدة الوفد عدد يوليو 1989) عن كيف أعرب النحاس باشا للزعيم الهندي نهرو خلال زيارة له عام 1954 عن أمله في أن تكون الجمهورية المصرية جمهورية علمانية. الدولة في العالم الثالث لا تريد أن تكون علمانية «محايدة» تجاه أديان المواطنين فهي بحاجة إليه كي تؤكد مشروعيتها، وأمثال المتطوع الصغير الذي يدعو للديمقراطية مفصولة عن توأمها العلمانية ويدعو إلي الاحتكام للصندوق مثله مثل مثقفين كثر في هذا البلد يضحون بالوطن ويقودون إلي كارثة تضعه في يد الإسلاميين كي تدخل مصر إلي عصور وسطي جديدة، فنكون كالمستجير من الرمضاء بالنار. بقي أن أقول للمتطوع الصغير إن من سمحوا لك أن تسبني علي صفحات الوفد الذي أفنينا العمر وكدنا أن نفقد أرواحنا من أجل ديمقراطيته هم أعظم منك جرما. وأخيراً: يقول السيد المسيح عليه السلام «لا تلقوا اللؤلؤ إلي الخنازير، فإنها لا تصنع به شيئاً». «ولا تعطوا الحكمة من لا يريدها» «فإن الحكمة أفضل من اللؤلؤ». »ومن لا يريدها أشر من الخنازير».