يبدو أن شريكي العهد الجديد في صحيفة الدستور، المالك ورئيس مجلس الإدارة السيد البدوي، ورئيس التحرير - الذي يتردد انه مالك ايضا - إبراهيم عيسي، قد استهلا العهد الجديد بحملة دفاع عن صفقة بيع الصحيفة الخاصة، هي أقرب ما تكون إلي العلاقات العامة، ومن عينة الجمل عديمة المعني وفاقدة الفحوي مثل " جريدة مستقلة تعبر عن القراء ولا تعبر عن ملاكها". ولا أعتقد أن مثل هذا الكلام الدارج والسهل، ينطلي علي أحد، فلا يوجد لا في مصر، ولا في أي مكان في العالم، شيء اسمه صحافة مستقلة أو إعلام مستقل، بل هي صحافة خاصة تعبر عن مصالح ومشروعات وأهداف ملاكها السياسية والاقتصادية وحتي الوجاهة الاجتماعية، وهو أمر مألوف من رجال الأعمال المصريين. لذلك أستغرب تصريح الدكتور السيد البدوي، المفترض أنه سياسي كبير، ورئيس حزب عريق، بل هو أعرق حزب في مصر علي الإطلاق، حين يقول إن الدستور كانت صحيفة مستقلة لكل المصريين وستظل بعد ان اشتراها ومن معه.. «الذين لا يعرفهم أحد»! كما أستغرب أيضا اندهاش الصديق إبراهيم عيسي الشريك القديم/ الجديد من التساؤل الطبيعي عن سياسة الجريدة في ظل العهد الجديد، وإن كان عيسي أقل سياسة ودبلوماسية من شريكه المالي الجديد، لذلك أعتبر السؤال شاذا، ولا أعرف ما هو وجه الشذوذ في هذا السؤال.. فمن الطبيعي جدا -حينما تنتقل ملكية صحيفة من مالك إلي آخر، ولكل منهما مشروع سياسي مختلف - أن يتساءل الناس عن السياسة، بل إن عدم السؤال عن السياسة التحريرية الجديدة هو سكوت شاذ. الدستور صحيفة مثيرة للجدل، وهي في صدورها الأول كانت حالة صحفية مختلفة، خلطت بين الفصحي ولغة الشارع في الكتابة والعناوين، هو أمر لم يكن مألوفا في الساحة الصحفية المصرية، لذلك كانت أقرب إلي الأجيال الجديدة، ومن لغة الشباب الدارجة، واستخدمت عامية وكلمات شبابية أكثر مما استخدمت من الفصحي. ورغم أنها ضربت اللغة العربية في مقتل، وأخذت معها الصحافة المصرية بعد ذلك إلي هذه اللغة الجديدة، لكنها في الإصدار الأول كانت تراعي الكثير من المعايير المهنية، وأشهد ان الدستور الأولي كانت تجربة صحفية مميزة ومهمة.. لكن الإصدار الثاني للدستور بعد توقف اختلف كثيرا، ولم تعد صحيفة مميزة، تقوم علي الخبر، والتحليل، بقدر ما تعتمد علي خلط الرأي بالخبر، فضربت بقواعد الصحافة عرض الحائط، وبدت منحازة، وفي أحيان كثيرة متوافقة ومتعاقدة مع الإخوان حتي صارت صوتهم والمعبر عنهم. كان إبراهيم عيسي في بداية تجربة الدستور الأولي شابا يعشق الصحافة والحياة والناس، وساعده مجموعة من الشباب أصدروا صحيفة مميزة، لكنه في الدستور الثانية كبر وتضخم، وصار زعيما لذلك لم تعد صحيفته معبرة عن الناس أو الأجيال الجديدة، وإنما عن من يدفعون لتوجيهها.. لذلك يبدو السؤال منطقيا: من دفع في الدستور.. وعلي ماذا سيحصل؟