في عام 2006 صدرت الطبعة الأولي من كتاب " كانط راهنا، أو الإنسان في حدود مجرّد العقل " للباحثة التونسية الدكتورة أمّ الزّين بنشيخة المسكيني، عن المركز الثّقافي العربي، الدّار البيضاء المغرب، بيروت لبنان. خلاصة هذا الكتاب المهم، هي أن: أسئلة الفلسفة اليوم هي أسئلة الراهن، أسئلة "الحدود"، أي الأسئلة التي تضع الإنسان في (مجرد حدود العقل) بالمعني الكانطي . ولمّا كان الفنّ الّذي يسطّر الحدود ويرسم الخرائط يسمّي "الجغرافيا" أضحت "أسئلة الحدود" في جوهرها أسئلة جغرافية. أليست هي الأسئلة الّتي تسطّر جغرافية العقل وترسم خرائطه؟.. ولكن ما هي هذه الجغرافيا؟ إنّها الفنّ الّذي يرسم خارطة لقدرات العقل وصلاحياته. إلي أي حدّ تمتدّ هذه الصّلاحيات والقدرات؟ هل تتقيد حدود العقل بحدود الفلسفة أم تتجاوزها إلي هوامشها (جاك دريدا)، راسمة بذلك التّجاوز خرائط أخري بين الفلسفي وما هو غير فلسفي؟ هل يتنزّل هذا العقل في جغرافية أخري وفضاء آخر هو الفضاء العمومي (يورجن هابرماس) والحس المشترك. إن الحدود الّتي يتنزّل فيها هذا "الإنسان المعاصر"، هي حدود استعمالات العقل . وهي استعمالات تمثّل مشروع كانط النّقدي برمّته. وقد صاغها في الأسئلة الثّلاثة الشّهيرة الّتي طرحها في كتابه "نقد العقل المحض": " ماذا يمكنني أن أعرف؟.. ماذا يجب علي أن آمل؟.. ماذا يمكنني أن آمل؟" (كانط راهنا، ص12). لكن يبدو أن جوهر فلسفة " كانط" (يتجاوز) هذه الحدود أيضا، وفي تصوري أنه يستشرف ما وراء عالم الظواهر الذي حاول كانط حصر العقل النظري فيها وحدها ، ناهيك عن أنه يستبق ويتنبأ بأشياء لا تعبر عنها الأحداث والوقائع الراهنة ، وإن شئت الدقة فهي علي العكس تماما مما نشاهده بأعيننا ونسمعه بآذاننا ونلمسه بأيادينا. فقد كان كانط من المعجبين المتحمسين للثورة الفرنسية، ومن دلائل رجاحة عقله، كما يقول " أرنست كاسيرر " في كتابه " الدولة والأسطورة": "انه لم يعدل من حكمه عندما بدت غاية الثورة الفرنسية وكأنها أخفقت . وحين ارتكبت الثورة أبشع الجرائم باسم الحرية والإخاء والمساواة ، فظل إيمانه بالقيمة الأخلاقية للأفكار التي عبر عنها إعلان " حقوق الإنسان والمواطن " عام 1791 راسخا لا يتزعزع ". يقول "كانط": "مثل هذا الحادث لا يقتصر أثره علي الافعال الحسنة أو السيئة التي قام بها الناس ... ان الثورة التي قام بها شعب بارع ، وقدر لنا أن نعيش لنراها معرضة للنجاح أو الإخفاق . وهي قد تكون حافلة بمصائب وأحداث فظيعة ، تدفع أي انسان خير (حتي إذا رضي عن مؤازرتها) إلي التصميم علي عدم إعادة هذه التجربة بمثل هذا الثمن الباهظ . ورغم كل هذا فقد صادفت مثل هذه الثورة لدي جميع المشاهدين شعورا بالتعاطف اقترب من درجة الحماسة ... لا يمكن أن تنسي مثل هذه الظاهرة في تاريخ البشرية . فلقد أثبتت احتواء الطبيعة البشرية علي ميل إلي ما هو أفضل ، واستعدادا لبلوغه . وهذا أمر ما كان بمقدور أي سياسي أن يتنبأ به ، إذا أعتمد علي تذكر الأحداث السالفة".