ماذا حدث بعد أن تمكن أحمد حمروش من السيطرة علي الموقف في الإسكندرية؟ سنورد فيما يلي كلمات حمروش كما جاءت في مذكراته ثم نتناولها بالتحليل. ( كانت الإسكندرية بالنسبة لي مدينة ساحرة، أحببتها أكثر من القاهرة، كنت أسكن في سبورتنج، التي كانت تتميز بزرقة مياه البحر وخضرة النادي، ولكن ظروف مابعد الحركة جعلت بقائي فيها أمرا صعبا، وقد طلب جمال عبدالناصر مني خلال إحدي المقابلات معه في القاهرة أن أرتب نفسي للحضور إليها، ولما حاولت الاعتذار والقول إنني سعيد في الإسكندرية قال لي: ولكن القاهرة أكثر احتياجا للضباط الأحرار) بطيبة قلب يتمتع بها الموهوبون فقط قال للزعيم إنه (سعيد) في الإسكندرية، سعيد بعيدا عنه، بعيدا عن الزعيم، اتضح أنه ليس مجذوبا إليه أو مريدا له بما يكفي للذهاب إلي القاهرة، كل الناس تطلب القرب من الزعيم فيما هذا الرجل يفضل البقاء بجوار زرقة مياه البحر وخضرة النادي علي الاشتراك في الحرب ضد الامبريالية والرجعية والاستعمار وأذناب الاستعمار. في تلك اللحظة رسمت الأقدار- بالاشتراك مع الزعيم طبعا- للسيد حمروش مصيرا ومسارا آخر. أريدك أن تلاحظ أن عبد الناصر في رده عليه، لم يقل له ولكني في حاجة إليك، من العار أن يكون الزعيم في حاجة لمخلوق، بل قال له إن (القاهرة) بشكل عام أكثر احتياجا للضباط الأحرار، كان من السهل والطبيعي أيضا أن يقول له: ولكن القاهرة أكثر احتياجا إليك، غير أنه «استكتر» عليه حتي كلمة إليك التي قد توقظ بداخله إحساسه بفرديته. تقول المذكرات: ( وبعد تفكير اخترت إدارة الشئون المعنوية التي كانت تجذبني إليها هواية الكتابة والصحافة التي مارستها ست سنوات في مجلة الفصول وصحيفة الأهرام ومجلة القصة، وصدر القرار بذلك خلال شهر أغسطس - بعد الحركة بأيام- الذي عدت فيه إلي القاهرة، كنت أحمل فكرة إصدار مجلة تعبر عن رأي الحركة- حتي الآن يستخدم كلمة حركة وليس ثورة- وحملت ذلك إلي جمال عبدالناصر الذي وافق علي الفكرة التي ناقشتها مع أحمد أبو الفتح في جريدة المصري حيث تعرفت بعدد من الكتاب والفنانين والصحفيين الذين أصبحوا أصدقاء لي خلال رحلة العمر،عبد المنعم الصاوي، حسن فؤاد، عبد الرحمن الشرقاوي وعبد الرحمن الخميسي ويوسف إدريس وعبد الرحمن صادق وغيرهم. وكانت إدارة الشئون العامة في ذلك الوقت تحت قيادة قائد الجناح وجيه أباظة الذي كان مهتماً بالإعلام عن الحركة خصوصا في الإذاعة. وكان من ضباطها قبل الحركة، الصديق الشاعر مصطفي بهجت بدوي وانضم إلينا كمال الحناوي أحد الضباط الأحرار،وانتقلت من مرحلة التفكير في إصدار المجلة إلي مرحلة التنفيذ، وتشكل فريق عمل- هو الذي شكله بالطبع ففرق العمل لا تتشكل من تلقاء نفسها- كان محوره الصديق الفنان حسن فؤاد وانضم إلينا غير مجموعة المصري "الجريدة" عدد من الزملاء الأصدقاء، صلاح حافظ وزهدي وعبد الغني أبو العينين وسعد التائه وغيرهم ) هذه الترسانة من المواهب لم تعرفها مجلة أو جريدة من قبل ، وأشك كثيرا أن يتجمعوا في دار صحفية في المستقبل في مصر أو في غيرها، المكان الوحيد الذي تمكن من استضافتهم بعد ذلك بأعوام قليلة كان معتقل الواحات. لم يكن الزعيم سعيدا بهذه المجلة التي أنشئت لدعم الثورة، من المستحيل أن يشعر الزعيم بالتقدير لمجموعة عمل من الموهوبين تعمل باستقلال عنه حتي لو كان ذلك يصب في مصلحته، هذا ما سنراه بوضوح في الحلقة القادمة .