"دائما ما كنت أتندر علي المفكر الكبير الدكتور أنور عبد الملك، الذي كان يري أن ريح التقدم حتما لابد أن تأتي من الشرق، يقصد الصين واليابان وماليزيا، وهناك قواسم مشتركة بيننا وبين هذه الشعوب، أما الغرب فإلي أفول".. بهذه الكلمات افتتح الدكتور جابر عصفور الندوة التي نظمتها هيئة الكتاب، لمناقشة كتابه "نقد ثقافة التخلف"، الذي رصد فيه أسباب تخلف المجتمعات العربية ثقافيا، خاصة بعد هزيمة 1967 التي أفرزت الدولة الدينية في إيران والقاعدة في أفغانساتان، وتحالف السادات مع الإخوان المسلمين في مصر. أكمل عصفور جملة أنور عبد الملك: كنت دائما أقارن أحوالنا بالغرب في كتاباتي، وبالرغم من أن هذه الدول ليست رأسمالية، وهناك دول شيوعية مثل الصين أصبحت تنافس أمريكا، ومرشحة بقوة لكي تكون القوة العظمي القادمة، وهو ما جعل أمريكا تدريس اللغة الصينية إجباريا في جامعاتها، وعلينا الاستفادة من تجربة هذه الدول، وهذا يتطلب أن يعيد المثقف مراجعة أفكاره، وعدم الثبات عليها لأن العلم يتغير كل يوم. وقال عصفور: التاريخ العربي تغلب عليه عصور الإظلام أكثر من عصور التنوير، وهناك دائما الصراع بين العقل والنقل، وسيادة الفكر الاتباعي، ورغم أن فرقة المعتزلة تؤمن بالفكر الحر والعقل الناهض، فإنهم خانوا أفكارهم عندما تحالفوا مع السلطة ورفضوا الحوار مع الآخر، واستعانوا بالسلطة لفرض مقولة "أن القرآن مخلوق"، ونكلوا بالمعارضين وكان من أبرزهم الإمام أحمد بن حنبل، إلي أن تدور الدائرة وينجح المعارضون في قلب نظام الحكم، وينكلوا بالمعتزلة وأنصارهم. وعلق المفكر السيد ياسين علي كتاب "نقد ثقافة التخلف" قائلا: لقد قدم جابر عصفور نظرية متكاملة عن التخلف، وقدم مجموعة من الأفكار التي تحتاج إلي التمحيص والتحليل النقدي، من أجل تطوير العقل النقدي الذي هو مفتاح تطور التعليم المصري، الذي يصنع عقلا اتباعيا وليس عقلا نقديا، يسمح بفرز الأفكار وتحليلها، وهو المدخل لتكوين مجتمع المعلومات، ثم مجتمع المعرفة، وتحدث عصفور عن التخلف السياسي وغياب الديمقراطية في المجتمع العربي، الذي أدي إلي العنف والعنف المضاد. وأكمل ياسين: أشار عصفور إلي مفردات التخلف، ومنها الانكفاء علي الماضي المتخيل والحلم بفردوس مفقود والتعصب للقديم وعدم التسامح مع الجديد مما يؤدي إلي التطرف، ثم تحدث عن الخطاب المعرفي وتعرضه للرقابة والعقاب معا، وإشكالية تأويل النصوص الدينية والتركيز علي الهوامش بدلا من المتن، والحاجة إلي رسم خرائط معرفية جديدة للأوضاع في المجتمع، والتركيز علي قيم الحداثة والتحديث وضرورة القضاء علي التفكير الخرافي، وكل أشكال التعصب الديني. وقال المترجم طلعت الشايب: هناك حرب ثقافية بين ثقافة التقدم وثقافة التخلف، وهو يحسن الاستماع إلي نبض جماعته ويحسن التعبير عن حكمتها العملية، وانتقل في هذا الكتاب من المذهبية النقدية الصارمة إلي الأفق المفتوح لمدارات النقد الثقافي، وإذا لم يفعل ذلك يكون قد شارك في تكريس ثقافة التخلف. وقالت الدكتورة هالة فؤاد: لقد كتب عصفور كتابه بهاجس المراجعة وانقسام الوعي علي ذاته ومساءلة الذات وهو يمزج بين النقد الأدبي والتكوين الفلسفي العميق وهو عبارة عن جدارية كبري وكتاباته مفخخة وهو ليس كاتبا محايدا.