ليست للكلام علاقة بحادثة محددة أو واقعة بعينها، ولكن مجرد انطباعات عن حالة جنون قد تذهب بعقل أحدهم لفترة أو للحظة يدمر فيها نفسه ومن حوله، ثم يعود إليه عقله فيبكي حين لا ينفع البكاء، ويندم حين لا يجدي الندم.. يسخر بعضنا ومعه الحق في بعض الأحيان حين تحمل البيانات أن جانياً في جريمة ما أحيل علي مستشفي الأمراض النفسية لفحص حالته العصبية بعدما ارتكب جريمة ما، وغالباً ما تطلق الإيحاءات بأن الهدف هو "الطرمخة" علي القضية وإبعاد رقبة صاحبنا عن حبل المشنقة، ويصدق الناس ويعتبرونه يقيناً إذا ما كان صاحبنا هذا ذا سلطة أو له علاقة بالحكم أو الثروة أو النفوذ، أما إذا كان "علي باب الله" فإن التعاطف معه يكون الاحتمال الأرجح، رغم كم ضحاياه وتأثير فعلته علي نفسه والآخرين. شخصياً أعرف نماذج كتلك اعتقد فيها أصحابها بالخطأ في أمر ما ورتبوا أو جهزوا ودبروا لكارثة تدخل في باب "الجريمة الضاحكة" ليس لأنها لم تتم أو لأن ملابساتها تحوي تفاصيل مضحكة، ولكن لأنها ببساطة لها أسباب واهية وغير حقيقية ولا علاقة لها بالمنطق، أو العقل أو التفكير السليم كانت نتيجة "ذهاب العقل" أو التفسيرات الخاطئة لأحداث جارية أو الفهم غير السليم لأمور لا تحتمل سوي معني واحد أو عدم الرضا عن سلوك أطراف أخري لم تفعل إلا الخير وفسره صاحبنا بأنه كل الشر.. فهل يصبح صاحبنا وقتها جانياً أم ضحية؟ هل ندينه ونطالب بالقصاص منه ونجمع علي ضرورة عقابه أم نطلب له الرحمة ونلتمس له الأعذار؟ هل نبتسم فرحاً حين نراه أو صورته نادماً علي فعلته مرعوباً من مصيره المحتوم أم نشفق عليه ونبكي من أجله؟ بكل تأكيد فإن موقف صاحبنا نفسه من فعلته وإقراره بجريمته واعترافه بخطئه وإبدائه الرغبة في عقاب نفسه قبل أن يعاقبه المجتمع أو الضحايا يحدد طبيعة الإجابة عن الأسئلة السابقة. ولكن ستنفجر اسئلة أخري: هل فعلها أي جريمته، في لحظة جنون أم فترة جنون؟ هل يكون رد فعله دائماً هكذا علي كل ما يعتبره تجاوزًا في حقه أم أنه بين حين وآخر يذهب عقله، أم أن عقله لا يذهب إلا مرة واحدة تكون كافية بتدمير حاضره ومستقبله وذكرياته؟ هل يحركه أحد حتي دون أن يدري، أم أن عقله كفيل بأن يذهب به الي الجحيم؟ لم أجد إجابة عن الأسئلة ولن أجد، فلا يمكن التغافل عن جريمة وقعت وضحايا راحوا بسببها ودماء سالت دون ذنب، وأوجاع عصرت قلوب الطيبين، وشرايين انسدت ولم تسمح بمرور سائل الحياة لدي الذين عانوا جراء جريمة صاحبنا ودفعوا ثمنها قبل أن يفيق من غيبوبته وجنونه، وحتي قبل أن يشعر هو أن الوقت حان كي يدفع من عمره وحريته ثمن فعلته. وفي الوقت نفسه لا أنكر قدرًا من التعاطف معه ليس لأنه كان علي حق عندما حرق المعبد علي من فيه، ولكن لأنه فعلها عن غير وعي، وربما عن جهل ورغم أن القاعدة القانونية تقول إن القانون لا يحمي المغفلين، إلا أن تلك الحكمة تتحدث عن هؤلاء البسطاء أصحاب العقول الطيبة والقلوب البيضاء الذين يرتكبون الحماقة دون أن يدروا، إنها حماقة بعدما حركهم أحدهم أو بعضهم، لكن صاحبنا الجاني علي نفسه والآخرين ليس من هؤلاء فيه، خير وفيه شر داخله ملاك وشيطان ولم يكن "مغفلاً" حين فعلها ولم يستغفله أحد إلا نفسه.. هل نبكي معه وعليه أم ندعو له بالرحمة؟ أعرف بعض المغرضين الذين يحللون الحرام ويحرمون الحلال بحسب مصالحهم ورغباتهم وأهوائهم، كانوا يلجئون الي بعض شيوخ الجهل لطب فتوي بعينها أو تفسير لحالة أو تصرف مقابل "الحلاوة"، كانوا يعتبرون صاحبهم الذي عرف طريق الصلاح اصابه "ذهاب عقل" وأمن شيخنا علي ذلك التفسير بعدما قبض المعلوم.. وبقي هؤلاء يروجون ضد صاحبنا ويشهرون به.. يضغطون عليه ويبتزونه ويشوهون كل تصرف محترم يتبعه حتي ذهب عقله فتلقفوه بعدما اقنعوه بأن عقله قد عاد. ومرة أخري أتوا له بشيخ يحلل الحرام ويهون عليه الفساد ويسقيه المر في طعم السكر، فشرب صاحبنا حتي الثمالة، وعندما أفاق أدرك الجريمة التي ارتكبها وعاد إليه عقله ولكن ضاع منه عمره ..ابكوا معي عليه.