كتب- إدواردو كامانيلا من بين الآثار المدمرة العديدة التي خلفتها الأزمة المالية العالمية الحالية، وأعظمها ضرراً في العالم المتقدم ذلك المسار التصاعدي لمعدلات البطالة بين الشباب، والذي صعد بنسبة ست نقاط مئوية في منطقة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أثناء الفترة من عام 2007 إلي عام 2009 في حين شهدت أسبانيا معدل بطالة خطيراً بلغ 42% بين الشباب في عام 2010.. حين يتوقف الشباب عن العمل كمحرك للاقتصاد، فإن النمو الاقتصادي في الأمد البعيد يصبح عُرضة للخطر الشديد، وتتحول الاضطرابات الاجتماعية إلي تهديد حقيقي للنظام السياسي الديمقراطي. وفي هذا السياق تمثل إيطاليا حالة قصوي متطرفة، فحتي العمال الشباب من ذوي المهارات العالية أصبحوا مهمشين، رغم أنهم عادة أعلي من عتبة سن معدل البطالة بين الشباب (29.5% في البلاد). ومع ذلك فإن فهم هذه الظاهرة وما يترتب عليها من عواقب سياسية من شأنه أن يسلط الضوء علي ما قد تواجهه بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأخري في المستقبل القريب. وبما أن المجتمع الإيطالي واحد من أسرع المجتمعات شيخوخة في العالم، وفي ظل عجز الشباب عن المشاركة في النظام الاقتصادي والسياسي للبلاد، فإن هذا يعني أن إيطاليا لديها الآن كل ما يؤهلها من عناصر للخضوع لحكم الشيوخ. وطبقاً لدراسة أجرتها جامعة لويس مؤخراً فإن أعمار نصف كبار رجال الأعمال والمسئولين السياسيين في البلاد تتجاوز الستين. ويشير المعهد الإحصائي الوطني فضلاً عن ذلك إلي أن نحو 60% ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً (ونحو 30% ممن تتراوح أعمارهم بين 30 و40 عاما) كانوا في عام 2009 يعيشون مع آبائهم نتيجة لعجزهم عن إعالة أنفسهم. وهناك مليونان من نفس الفئة العمرية تم تصنيفهم باعتبارهم غير مشاركين في العمل أو التعليم أو التدريب. إن النظام يتهاوي ببطء، والشباب الإيطالي أصبح عُرضة لخطر التحول إلي أول جيل في التاريخ الحديث تسوء حاله مقارنة بحال الأجيال التي سبقته. ليس من المستغرب إذن أن ترجع نسبة 79% من البطالة الناجمة عن الأزمة المالية إلي العمال الشباب المعرضين للخطر. وحتي لو كان البلد لا يزال بعيداً عن التوجهات المتطرفة كتلك التي شهدها في عام 1986، فإن إبعاد إيطاليا لشبابها عن ميادين العمل من شأنه أن يمهد الطريق لاندلاع ثورة الأجيال. لقد تسببت المحسوبية والميول الديموجرافية وغياب السياسات الأسرية الجادة في إضعاف العقد الاجتماعي الذي بات مهدداً الآن. فأولاً، سوف تعمل مستويات الديون العالية علي الحد من استحقاقات الرعاية الاجتماعية ومن قدرة حكومات المستقبل علي مقايضة المحسوبية بالأصوات الانتخابية. وثانياً، تسببت العولمة، ونظام التعليم المتدني الجودة، والمؤسسات الضعيفة في توليد عدم اليقين وانعدام الإحساس بالأمان بين الشباب، وبالتالي تهدد كل هذه العوامل توقعات النمو في إيطاليا واحتمالات تعويض أجيال المستقبل عندما تتقدم في السن عن حياة كاملة من العمل الشاق والتضحيات. إن عملية السماح للأجيال الشابة بتولي دورها الرئيسي في الاقتصاد، إما أن تكون تدريجية وسلسة نسبياً، أو تكون مفاجئة وصادمة. وفي الحالة الأولي يعمل الساسة علي تطبيق إصلاحات بنيوية تهدف إلي إعادة توزيع التكاليف والمنافع بين الأجيال. أما في الحالة الأخيرة فسوف نشهد صداماً بين الأجيال. إن هذا الوضع أشبه بانحدار المنظمات كما وصفه ألبرت و. هيرشمان في أطروحته الرائدة تحت عنوان "الخروج، والصوت، والولاء". فحين تنحدر جودة إحدي المؤسسات أو الأنظمة السياسية، فقد ينسحب أعضاؤها (الخروج)، أو يعملون علي تحسين وضع المؤسسة من خلال العمل المباشر (الصوت)، أو يتقبلون بسلبية تردي الأوضاع (الولاء). والآن أصبحت الغلبة للخروج والولاء في إيطاليا. وقد يكون الخروج مادياً (طبقاً لبعض الدراسات فإن إيطاليا البلد الأوروبي الوحيد الذي يشهد "نزيف العقول" بدلاً من "تبادل الكفاءات")، أو الصمت (انخفاض نسب الإقبال علي التصويت علي سبيل المثال). ولكن صعوبة الفكر الانتقادي في بيئة تتسم بتدني حرية الصحافة، إلي جانب انتقال الثروات داخل الأسر إلي الشباب، تعمل علي إبقاء الأغلبية موالية للنظام. هل يكون هذا الصراع سلمياً أم عنيفا؟ في الحالة الأولي قد ينجح أي حزب شاب في استخدام المؤسسات الديمقراطية للضغط من أجل فرض خفض حاد في الفوائد التي يحصل عليها المسنون. وفي الحالة الثانية قد تؤدي الاحتجاجات العنيفة إلي موجة ثورية أشبه بتلك التي اندلعت في عام 1986. آنذاك كان المحتجون يريدون تحرير الطبقات المحرومة من ظلم الرأسمالية؛ أما اليوم فقد يسعون إلي تحرير الأجيال المحرومة من أغلال حكم الشيوخ. ولكن من المؤسف أن الاتجاهات الديموغرافية تجعل السيناريو الأخير أكثر ترجيحاً، وذلك لأن الشباب سوف يمثلون أقلية عاجزة عن الفوز بالسلطة عبر القنوات الديمقراطية. ولن يكون التحول الاقتصادي الديمقراطي أكثر ترجيحاً إلا من خلال تبني سياسات جادة في تنظيم الأسرة، أو بمنح المهاجرين الجدد، وأغلبهم من الشباب، حق الاقتراع.