علي صفحات جريدة وطني وتحديدًا في العدد الصادر بتاريخ 2010/7/11 كان هناك مقال بعنوان (هكذا تكلم نصر حامد أبو زيد) وما إن شرعت في قراءة المقال وما إن انتهيت منه إلا وقد أخذتني الدهشة والحيرة وبلغ بي العجب مداه وبطبيعة الحال كان هناك سبب لهذه الحيرة ولهذا العجب يتجلي في هذه الازدواجية العجيبة التي تعاملت بها جريدة وطني مع وفاة الأستاذ الدكتور نصر حامد أبو زيد وهذه المقالة التي تنعي فيها فكره وآراءه وبين موقفها من الحكم العادل الذي حكمت به محكمة القضاء الإداري والذي أعطت به الحق الفطري لأي إنسان كان في أن يتزوج ويكون أسرة إذا صادفه الفشل في زواج سابق. وحتي لا نتهم بأننا نرمي الصحيفة بالباطل لنقرأ سويا ما سطرته الصحيفة في مجمل حديثها عن المفكر الراحل كتبت جريدة وطني ما نصه (ويبدو أن اعتماد المفكر الكبير أبو زيد علي «النظرية الهرمنيوطيقة» المعنية بقضية التفسير أو التأويل، سبب أزمته التي كانت مشتعلة دائمًا. فجوهر المشروع الفلسفي للدكتور أبو زيد هو الاعتماد علي المناهج الحديثة والمعاصرة في فهم النص الديني. وهو الأمر الذي يؤدي إلي إنجاز مرحلة الإصلاح الديني ومن ثم دفع تحول المجتمعات العربية والإسلامية نحو النهضة. والمناهج الحديثة هنا تشمل بالإضافة إلي «الهرمنيوطيقا»: تحليل الخطاب، والبنيوية، والألسنية، والتاريخانية، إضافة إلي علم تاريخ الأفكار وعلم اجتماع المعرفة. وتكمل الجريدة حديثها عن نصر حامد أبو زيد بأن تستشهد بكلام الدكتور عبدالصبور شاهين ضد المفكر الراحل والذي يقول فيه عن حامد أبو زيد إنه (يدعو إلي التحرر من سلطة النصوص، بل من كل سلطة تعوق مسيرة التنمية في عالمنا) عفوًا.. كان الأجدر بجريدة وطني أن توجه هذا الخطاب إلي نفسها وإلي إدارتها التحريرية وهي التي وقفت قلبا وقالبا مع الكنيسة الأرثوذكسية وتبنت نفس الموقف الذي تبناه قداسة البابا شنودة والذي يتجسد فيه أشد ما يكون التجسد سطوة النص وعدم الرغبة في التزحزح عن حرفياته وهي المدرسة التي عاش المفكر الراحل يعاني من وطأتها علي حياتنا ودفع ثمن ذلك غاليا من التفرقة بينه وبين زوجته أثناء حياته ومن شماتة البعض فيه بعد وفاته. كان من الأجدر علي جريدة وطني ألا تستخف بعقولنا هذا الاستخفاف وأن تعلم جيدًا أن هناك الكثير من القراء يتابعون ويقرأون ولا ينسون ما يقرأونه خاصة إذا تعلق الأمر بموضوع يشغله شخصيًا لماذا لا تطبق جريدة وطني وتتبني آراء المفكر الراحل وتدعو مثله إلي التحرر من سلطة النصوص لماذا لا تدعو إلي الاعتماد علي المناهج الحديثة في فهم النص الديني وهي التي تشنجت مع كل المتشنجين ضد حكم القضاء الذي يكاد يكون أقرب إلي ما يدعو إليه المفكر الراحل ويا ليت الأمر توقف عند هذا الحد بل إن الجريدة وفي نفس العدد تستهجن موقف الفكر المتأسلم من آراء المفكر الراحل وتنسي أو تتناسي وتجهل أو تتجاهل أنها كانت أول من يتبني منهج الفكر المتأقبط في الحكم القضائي المذكور. ومازالت تتبناه حتي كتابة هذه السطور إن التأبين الذي أبنته صحيفة وطني للدكتور نصر حامد أبو زيد تأبين مرفوض شكلاً وموضوعًا مرفوض لأنه يتناقض مع موقف الجريدة وهيئتها التحريرية من فكرة التعامل مع النصوص كما كان يدعو نصر أبو زيد فإذا كانت الجريدة تري في أفكاره طوق النجاة فلماذا لا تتبني خطابا تنتهج فيه منهج نصر أبو زيد لماذا لا تدعو الجريدة المذكورة إلي التعامل التاريخي والتحليلي مع النصوص الدينية وأولها النص الذي يؤكد أنه لا طلاق إلا لعلة الزني؟ إذا كانت صحيفة عابت علي المتأسلمين موقفهم من أفكار الدكتور أبو زيد فلقد ضربت هي أروع الأمثلة في تبني موقف المتأقبطين لو أن جريدة وطني طبقت منهج الدكتور نصر أبو زيد علي نفسها وعلي خطابها الصحفي لأدي هذا إلي تبني موقف مناهض لموقف الكنيسة المصرية التي اتخذت من المدرسة النصية (تفسيرا) موقفا رسميا لها إن ما كان يدعو إليه نصر أبو زيد قد ذاب وأريق علي أعتاب المنهج السلفي الذي اتخذته الكنيسة المصرية وأيدتها فيه جريدة وطني. ثم تأتي بعد ذلك لتأبن وتترحم علي أفكار نصر أبو زيد وهي نفس الأفكار والآراء التي تناصبها عداءً سافرًا فأي تناقض هذا؟ رحم الله الأستاذ الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي ظل ردها من عمره يدفع ثمن آرائه المستنيرة حتي مات وربما يكون قد مات كمدا من هؤلاء وهؤلاء الذين لا هم لهم إلا الاستخفاف بالعقول هؤلاء الذين يجيدون الكيل بمعيارين أو بمعيار واحد شريطة ألا يصيبهم قرح منه، رحم الله المفكر الراحل ورحم الله المجتمع من هؤلاء وهؤلاء.