مجلس كنائس الشرق الأوسط، الطوائف المسيحية الاخري، الكهنة، الأساقفة، عناصر مختلفة ولكن تربطها علاقة واحدة بالكنيسة الأرثوذكسية القبطية وهي الانهيار فبعد أن كانت الكنيسة الأرثوذكسية تتصدر مجلس كنائس الشرق الأوسط وكان البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية رئيسا له ثم اختير الرئيس الفخري له.. قدم منذ بضعة أسابيع استقالته وذلك بعد إهانة البابا ثيؤفيلوس الثالث بطريرك الروم الأرثوذكس بالقدس للكنيسة الأرثوذكسية في حضور الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس وذلك بعد أن أصبح موقع الكنيسة عالمياً له ثقله خاصة بعد التوسع في كنائس المهجر وكذلك الأديرة الأرثوذكسية خارج مصر وهذا بعد أن كانت ثلاثة فقط عند اعتلاء البابا الكرسي البطريركي. وفي نفس الوقت أصبحت الكنيسة تعاني من خلافات حادة وشديدة مع الإنجيليين خاصة بعد التصريحات الأخيرة التي جاءت بالصدفة أيضا من الأنبا بيشوي حول وجود مخطط إنجيلي لغزو الكنيسة الأرثوذكسية والتي تبعتها انهيارات متتالية وخلافات واضحة في تصريحات المسئولين علي صفحات الجرائد والبرامج في شتي الموضوعات وكان آخرها المشكلة حول بعض بنود قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين الذي كان من نتائجه استبعاد القس إكرام لمعي من لجنة مناقشة قانون الأحوال الشخصية. هذا بالإضافة إلي الخلافات الحادة التي أصبحت موجودة في الأساس داخل سقف الكنيسة الواحدة وهو الخلاف الحاد والواضح بين الأساقفة سواء كان هدفهم أن يعتلوا الكرسي أولا، والذي كان عن طريق الصدفة أيضا أحد أبطالها هو الأنبا بيشوي وللأسف أن هذه الحرب لاتزال قائمة وليست مع أسقف واحد بل عدة أساقفة فهناك الخلاف بين الأنبا بيشوي والأنبا بفنوتيوس أسقف سمالوط وكذلك الخلاف بينه وبين الأنبا يؤانس وأيضا مع الأنبا ويصا الذي للأسف نتج عن هذا الخلاف، بين الكهنة وبعضهم في الكشح والبلينا الذين يستقوي بعضهم بعلاقته بالرجل الحديدي وجعله يهدد باستبعاد الأنبا ويصا من منصبه وليس هذا هو الخلاف الوحيد فهناك حادث كاهن فرزنو الذي انتقل من صفحات الجرائد إلي مواقع الإنترنت التي أصبحت تنشر بعنوان مذكرات كاهن فاسد، فالحقيقة أن رجال الإكليروس «رجال الدين» سواء كانوا من الكهنة أو الأساقفة كلهم تناسوا آية الكتاب المقدس التي تقول «إن كل مملكة تنقسم علي ذاتها تخرب» والمشكلة الأكبر أن كل هؤلاء الذين يتشاجرون وتملأ خلافاتهم صفحات الجرائد لا يوجد منهم أو فيهم حاصل علي مؤهل علمي لاهوتي، فالأنبا بيشوي - سكرتير المجمع المقدس الذي يصدر قرارات بمصادرة كتب قام بتقديمها أساقفة لهم وضعهم وثقلهم مثل الأنبا متاؤوس والأنبا بطرس الذي أصبح سكرتيرا شخصيا للبابا - لا يحمل أي مؤهل أو دكتوراه لاهوتية فمنذ الأنبا اغريغوريوس أسقف البحث العلمي وبعد الأب متي المسكين الذي كان علامة في اللاهوت معترفاً به عالميا لم يصبح لدي الكنيسة الأرثوذكسية أي علماء لاهوتيين عالمياً أو داخلياً والسؤال الذي يطرح الآن: إلي أي مؤهل لاهوتي تعتمد الكنسية في مواجهتها للأزمات الخارجية والداخلية؟ فالكنيسة القبطية الأرثوذكسية كانت دائمًا من أكبر وأعمق الكراسي علي مستوي العالم وكان لها دور كبير وواضح في كثير من القضايا اللاهوتية التي واجهت المسيحية بشكل كبير مثل بدعة أريوس ونسطور في القرن الرابع الميلادي، بل ومنها خرج أثناسيوس الرسولي البطريرك العشرين والذي وضع قانون الإيمان النيقاوي والذي تستخدمه الكنائس كنص ديني يبلور إيمانها المسيحي ومنها خرج القديس أنطونيوس الكبير الذي قاد حركة ترجمات قادت اللاهوتيين في تفسير الإيمان وفي مواجهة المهرطقين والخارجين عن الكنيسة وبالرغم من وجود حقبات ضعف مثل ما حدث في فترة الأنبا يوساب وغيره إلا أنها ظلت قوية حتي اعتلي البابا شنودة الثالث الكرسي البطريركي، فقد كان الرجل السياسي الثائر علي أوضاع كثيرة داخل الكنيسة والذي كان يضع تصورات تحمل آمال كثيرين في التغيير وبالفعل نجح البابا شنودة بذكائه الحاذق في تجميع جميع الطوائف المسيحية عام 85 لوضع قانون جديد للأحوال الشخصية ليبطل لائحة 38 المعمول بها في المحاكم، وكذلك استطاع بذكائه أو حكمته أن يترك الأب متي المسكين في ديره بل ارتضي ألا يتدخل في شئون هذا الدير رغم أنه كسلطة كنسية أو قيادة كان يستطيع أن يجرده أو أن يشلحه إلا أنه برؤية ثاقبة وتقبله حجم الأب متي اللاهوتي والعالمي استطاع أن يتغاضي أو يقمع ذاته ليترك المجال ليكون لدينا أكبر مكتبة أثرية لأقوال الآباء ويكون كذلك لدينا أكبر مترجمين للآبائيات وكذلك معمل أبحاث چينية يعد الأضخم في الشرق الأوسط. ورغم كل ما استطاع أن يحققه البابا بمفرده خلال ما يقرب من أربعين عامًا إلا أنه في أقل من عام أصبح ينهار واحدًا تلو الآخر- فها نحن نواجه أزمة في لم شمل الطوائف مرة أخري علي مائدة حوار، وكذلك أصبحت الكنيسة الأرثوذكسية تواجه أزمة حادة مع الطوائف الأخري انتهت بالإهانة وسحب ممثلها من مجلس الكنائس. وها هي تواجه أعداء كثيرين لم يستطيعوا برغم خلافهم معه منذ السبعينيات أن يظهروا علي السطح سوي الآن بل يحصدون معهم رعية وهو إن دل علي شيء يدل علي ضعف ووهن وشقوق داخل الكنيسة القبطية فنجد علي سبيل المثال ماكس ميشيل وحنين عبدالمسيح وچورچ بباوي الذين أصبحوا يحصدون موالين لهم لا يلبثون إلا أن يهجموا علي الكنيسة بضراوة وشراسة، ولم يكن أحد يجرؤ أن يفعل ذلك خلال العشرين سنة الماضية. وليس هذا فقط بل أصبح هناك الكثيرون من الرعية يتمردون علي القيادة وذلك بعد حوادث الشلح الكثيرة التي حدثت خلال العام الماضي والتي أصبح ينتج عنها الكثير من المظاهرات داخل أروقة الكاتدرائية، ضد قرارات البطريرك مستخدمين شعارات كان هو يرفعها قبل اعتلائه الكرسي. والسؤال الآن: الكنيسة الأرثوذكسية إلي أين؟! والي متي ستظل تنهار وهل يعقل أن الشخص الذي استطاع أن يحكم ويدير الدفة بحكمة شديدة طوال كل هذه المدة دون خسائر تذكر تنهار كل علاقته في أقل من عامين، أو أن تركه الإدارة لأشخاص بعينهم كانت سببًا في الانهيار؟!