كثيرا ما تتحدث دول أوروبا عن الديمقراطية وتدر الأموال لتطبيقها في البلدان العربية وتحرك جيوشها لتحتل وتقتل وتنهب باسم تلك الديمقراطية المذعومة والحرية التي تنادي بها ولا تطبقها فالحرية الأمريكية وحقوق الإنسان التي تبشر بها أمريكا العالم، تكفر بها في معتقلات جونتاناموا والعراق المحتلة. تلك التناقضات تظهر في نواح عدة منها القطاع الإعلامي ففي منتصف الأسبوع الجاري أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما مناقشة قانون إغلاق شبكة الإنترنت في وقت الأزمات والطوارئ الوطنية ومعاقبة أي من الشركات التي تخالف القرار وفي مقدمتها محركات البحث الأكثر انتشاراً مثل جوجل وياهو وهو مشروع القانون الذي كان ليبرمان المرشح الرئاسي السابق ورئيس لجنة الأمن الداخلي الأمريكية كان قد تقدم به لمجلس الشيوخ الأمريكي بهدف حماية أمن البلاد في أوقات الأزمات. وفي بريطانيا وافق مجلس الشيوخ 10 يونيو الجاري علي قانون يتيح للحكومة حق التنصت علي المكالمات الهاتفية بزعم محاربة الفساد والحفاظ علي أمن البلاد وفي الوقت ذاته جرم القانون علي وسائل الإعلام نشر أي تسريبات لنصوص المكالمات المسجلة حتي ولو كانت تجري بشأنها التحقيقات محددة غرامة تتراوح ما بين 300 و450 ألف يورو للناشر و10 آلاف يورو غرامة وشهراً حبساً للصحفي الذي ينشر معلومات قبل انتهاء المحاكمة. الطريف أن إيطاليا التي تدعي الديمقراطية وحرية الرأي وافق مجلس شيوخها علي القانون رغم معارضة جميع وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب له لدرجة صدور صحف في اليوم الثاني لإقرار القانون بصفحتها الأولي بيضاء كما حدث في جريدة «لا ريبوبليكا» التي اكتفت بعبارة قانون تكميم الأفواه في صفحتها الأولي وسط مساحة بيضاء. المثير أن مشروع القانون جاء نزولاً علي رغبة عدد من السياسين الذين تخوفوا من تسجيل مكالماتهم والكشف عن معلومات تتعلق بحياتهم الخاصة وذلك بعد تسجيل السلطات الإيطالية مكالمات هاتفية لبيرلسكوني رئيس الوزراء طالب فيها مسئول إعلامي بتكميم أفواه البرامج علي تليفزيون «راي» الوطني التي تناولت قضية فساد مالي في تشييد منشآت عامة وهي التي أدي كشفها إلي استقالة وكلاوديو سكايولها وزير الصناعة وأدي تسرب مكالمة بيرلسكوني لتعرضه لانتقاد إعلامي فتحول مطالباته السرية بالتطبيق علي حرية الإعلام إلي قانون يكمم الأفواه. فهل تلك الدول التي تغدق ملايين الدولارات علي المنظمات الحقوقية في العالم العربي بذعم دعم الديمقراطية وحرية التعبير تعرف الحرية؟! وإذا كان هدفها من تلك القوانين حماية أمنها وتوفير ضمانات ألا تتحول الحرية إلي فوضي فلماذا تريد لنا الفوضي الخلاقة؟! الحرية لابد أن تقابلها مسئولية لذا فنحن علينا أن نطالب بالحرية للإعلام الإيطالي والمواطن الأمريكي مستخدم الإنترنت والحرية المسئولة لأنفسنا والحد من التجاوزات لتفويت الفرصة علي المتربصين بحرية الصحافة والإعلام من استغلال التجاوز للنيل من هامش حريتنا وقبل ذلك يجب تغليب مصلحة الوطن