بعد أن أوضحنا في المقال السابق بالأدلة والبراهين بأنه لا يوجد نص آية أو نص حديث يقول إن صوت المرأة عورة، وبعد أن أثبتنا أن المقصود بقوله: (فلا تخضعن بالقول)، الكلام المحكم الذي يفهم منه السامع مباشرة ما يطمعه في القائل، وكذلك بعد أن أثبتنا بأن هناك فرقاً كبيراً بين القول والصوت، بقيت مسألة مهمة ألا وهي: هل غناء المرأة وسماعه حرام أم مباح؟. أنا أري أن يتعرف القارئ علي إجابة هذا السؤال المهم من الروايات التي وردت في كتب الأحاديث المعتبرة والصحيحة لدي طائفة أهل السنة والجماعة ولن أعلق علي تلك الروايات، وسوف يكتشف القارئ أن الروايات أخبرت عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يستمع إلي الغناء من النساء الأجنبيات كما يحلو للبعض تسميتهن بهذا، بل وكان عليه الصلاة والسلام يسمح لهن بالغناء إذا طلبن منه ذلك، بل وفي بعض الروايات قد أحضر عليه الصلاة والسلام مغنية كي تغني لأم المؤمنين عائشة، بل قد قام عليه الصلاة والسلام بتأليف أغنية كما ذكر ذلك ابن حجر العسقلاني في فتح الباري، وكما سيري القارئ في الروايات التالية: جاء في الصحيح "28/7" من حديث عائشة "يا عائشة ما كان معكم من لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو".. وفي حديث بريدة "في الترمذي رقم: 3691 خرج الرسول "صلي الله عليه وسلم" في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء، فقالت: يا رسول الله، إني نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف و(((أتغني)))، فقال لها رسول الله "إن كنت نذرت فاضربي"."وسنده صحيح". وجاء في الصحيح "20/2" من حديث عائشة قالت "دخل علي رسول الله وعندي جاريتان، تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع علي الفراش وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي، فأقبل عليه رسول الله فقال "دعهما".. بل جعل النبي صلي الله عليه وسلم مغنية تمتهن الغناء جعلها تغني لعائشة. عن السائب بن يزيد "أن امرأة جاءت إلي رسول الله، فقال: "يا عائشة، أتعرفين هذه؟" قالت: لا يا نبي الله، فقال: "هذه قينة بني فلان تحبين أن تغنيك؟" قالت: نعم، قال: فأعطاها طبقاً، فغنتها" أخرجه أحمد "449/3" والنسائي"رقم 74. وأما ما روي عن أنس مرفوعاً "من جلس إلي قينة فسمع منها، صب الله في أُذنيه الآنك يوم القيامة".. فحديث ضعيف في سنده "أبو نعيم الحلبي" وهو ضعيف. قال الإمام أحمد: رواية المروذي رقم: 225 حديث باطل"..قال الدارقطني _فيما حكاه ابن حجر عن "غرائب مالك" "لسان الميزان 245/5" تفرد به أبو نعيم عن ابن المبارك، ولا يثبت ذلك عن مالك، ولا عن ابن المنكدر. قال أبو الحسين (خالد المدني): كنا بالمدينة والجواري يضربن بالدف ويتغنين، فدخلنا علي الربيع بنت معوذ، فذكرنا ذلك لها، فقالت دخل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم صبيحة عرسي وعندي جاريتان يتغنيان وتندبان آبائي الذين قتلوا يوم بدر، وتقولان فيما تقولان: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال أما هذا فلا تقولوه؛ ما يعلم ما في غد إلا الله. رواه الترمذي، وسنده صحيح كما قال الألباني. ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنها زفّت امرأة إلي رجل من الأنصار، فقال نبي الله صلي الله عليه وسلم "يا عائشة، هل بعثتم معها بلهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو" وفي رواية شَريك "قال أي النبي صلي الله عليه وسلم: "فهل بعثتم معها جارية تضرِب بالدف وتغني" بل في موضع آخر كما رواه البخاري في صحيحه (كتاب النكاح) عن عائشة أنها زفت امرأة إلي رجل من الأنصار، فقال نبي الله صلي الله عليه وسلم: يا عائشة ما كان عندكم لهوٌ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو". قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه: في رواية شريك، فقال (فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟) قلت: تقول ماذا؟ قال: (تقول: أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم، ولولا الذهب الأحمر ما حلّت بواديكم، ولولا الحنطة السمراء ما سمنت عذاريكم".