تولدت لدي قناعة أن الإنسان لا بد أن يرضي بما قسمه الله ولا يعطي الفرصة لشيطان الطمع أن يهيمن علي أفكاره وينغص عليه حياته. وفي رأيي فإن هذه النعم التي أنعم علينا الله بها تغنينا عن النظر إلي ما في أيدي الآخرين. وإذا تبين أن القناعة والرضا لا يغنيان ولا يسمنان من جوع وأن السبيل الوحيد لتحمل أعباء الحياة هو المطالبة بزيادة الأجور والرواتب فإن ذلك يجب أن يحدث من دون صخب أو ضوضاء أو ارتكاب أعمال من شأنها أن تضر بحقوق الآخرين، أليس كذلك؟ هذه التساؤلات وغيرها تتصارع في ذهني كلما قرأت مقالا لكاتب أو أستاذ جامعي يطالب فيه بزيادة الأجور والمرتبات. لقد طالعت مقالا لأستاذ جامعي منشورًا في إحدي الصحف تحت عنوان «رواتب أساتذة الجامعات» حيث يطالب فيه بتحسين أوضاع أساتذة الجامعات وذلك لأن المرتبات الحالية لا تغطي متطلبات الحياة اليومية. كما أن الأستاذ الجامعي في حاجة مستمرة لتحديث معلوماته من خلال اقتناء أحدث الكتب والمراجع في مجال تخصصه. الغريب أن كاتب المقال إياه يعبر عن عدم رضاه بما يتقاضاه من مرتب من خلال المقارنة التي عقدها بالمرتبات التي يتقاضاها نظراؤه في دول أخري. ففي الكويت يتقاضي الأستاذ المساعد مرتبا يعادل 41719 جنيها مصريا ويتقاضي الأستاذ مرتبا يعادل 53 ألف جنيه. وفي الإمارات العربية يبلغ مرتب الأستاذ المساعد حوالي 26800 جنيه والأستاذ يزيد مرتبه ليبلغ 30800 جنيه وفي قطر مرتب الأستاذ المساعد 3400 جنيه والأستاذ أكثر منه 3700 جنيه، لعل أحد الجهابذه يبادر بوضع مرتب الأستاذ المصري ضمن هذه القائمة أي مباشرة بعد مرتب الأستاذ في الكويت علي اعتبار أن الأستاذ في مصر يتقاضي سنويا حوالي 48 ألف جنيه غير أن التصحيح واجب في هذه الحالة لأن المرتبات الخليجية التي أشرنا إليها هي في الواقع مرتبات شهرية وليست سنوية. لعل القراء يختلفون حول تحديد هوية كاتب ذلك المقال ومصدر نشره فقد يعتقد قارئ أن المقال منشور في صحيفة مصرية وكاتبه ليس سوي أستاذ في جامعة مصرية لا يتقاضي سوي ثلاثة أو أربعة آلاف لحلوح شهريا أي حوالي 36 ألفاً أو 48 ألف جنيه سنويا. وقد يعتقد قارئ آخر أن كاتب المقال أستاذ أردني يعبر عن شكوي أساتذة الجامعات الحكومية الأردنية من تدني رواتبهم التي تتراوح بين 7800 و15 ألفا «بالجنيه المصري» شهريا. يا ليت الأمر كان كذلك لأننا في هذه الحالة سوف نجد ردا مناسبا مفاده أن الظروف الاقتصادية للدول هي التي تحدد تلك الأرقام التي يسيل لها اللعاب والتي أشرنا إليها في الفقرة السابقة حيث إنه من اللافت للنظر أن كل الدول الواردة في القائمة تعتمد علي تصدير البترول ولديها ميزانيات ضخمة تساهم في ارتفاع مستوي المعيشة وفي الحقيقة أن المقال إياه منشور في 4 نوفمبر 2004م في صحيفة الرياض السعودية وكاتبه أستاذ سعودي يعمل بجامعة سعودية حيث يبلغ المرتب الشهري للأستاذ المساعد ما يوازي 14300 جنيه مصري والأستاذ 20600 جنيه. بعد هذا المقال وليس بسببه فقد صدر أمر ملكي في 16 يوليو 2005م بزيادة مرتبات أعضاء هيئة التدريس بالجامعات السعودية حيث بلغت الزيادة 15% أي بزيادة تعادل ألفي جنيه شهريا للأستاذ المساعد وثلاثة آلاف جنيه للأستاذ. ومما سبق نقول إن المطالبة بزيادة الراتب أو الأجر يجب أن تتم في هدوء ومن دون اللجوء لوقفات احتجاجية أو اعتصامات كالتي نشاهدها اليوم علي الساحة المصرية. لعل الحكومة تتولي إعادة النظر ودراسة ليس مرتبات أساتذة الجامعة فحسب بل مرتبات جميع فئات المجتمع التي تكتوي بنار الغلاء وتعاني من قلة الدخل ومحدوديته.