فضل الله تعالي شهر رمضان علي كثير من الشهور وجعله أفضل شهور العام ففرض فيه الصيام وأنزل فيه القرآن، وفيه ينزل القدر وتغفر الذنوب ويعتق الله عز وجل من يريد من النار وفيه تصفد الشياطين وهو شهر البركة وشهر الأرحام، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر، وفيه قال صلي الله عليه وسلم: (الصوم جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم) وقال أيضا صلي الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) وكان صلي الله عليه وسلم أجودالناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة)، وقال صلي الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة في رمضان) فهذا يبين لنا مدي فضل هذا الشهر الكريم وكيف يتقبل فيه الله عز وجل جميع الطاعات والخيرات. لقد فرض الله عز وجل الصيام في رمضان لعدة أسباب منها الشعور بفضيلة الزهد والقناعة، فقد وجه النبي صلي الله عليه وسلم أمته إلي التحلي بصفة القناعة حين قال: «ارض بما قسم الله لك تكن أغني الناس» وكان يدعو ربه فيقول: «اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، وأخلف علي كل غائبة لي بخير». والقانع بما رزقه الله تعالي يكون هادئ النفس، قرير العين، مرتاح البال، وأكثر دعة واستقرارا من الحريص المتفاني في سبيل أطماعه وحرصه، فالقانع لا يتطلع إلا ما عند الآخرين، ولا يشتهي ما ليس تحت يديه، فيكون محبوبا عند الله وعند الناس، ويصدق فيه قول الرسول صلي الله عليه وسلم: «ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس». إن العبد القانع عفيف النفس لا يريق ماء وجهه طلبا لحطام دنيا عما قليل تفني، وهؤلاء الذين مدحهم الله بقوله: «للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم». والقناعة بعد هذا تمد صاحبها بيقظة روحية، وبصيرة نافذة، وتحفزه علي التأهب للآخرة بالأعمال الصالحة وتوفير بواعث السعادة فيها. ومن الأسباب المؤدية للقناعة.. تقوية الإيمان بالله تعالي، وترويض القلب علي القناعة، والرضا بما قسمه الله تعالي والاستعانة بالله والتوكل عليه والتسليم لقضائه وقدره، والنظر في حال الصالحين وزهدهم وكفافهم وإعراضهم عن الدنيا وملذاتها، وتأمل أحوال من هم أقل منا، ومعرفة نعم الله تعالي والتفكر فيها، وأن يعلم أن في القناعة راحة النفس وسلامة الصدر واطمئنان القلب، ومعرفة حكمة الله تعالي في تفاوت الأرزاق والمراتب بين العباد، والعلم بأن الرزق لا يخضع لمقاييس البشر من قوة الذكاء وكثرة الحركة وسعة المعارف، واليقين بأن الرزق مكتوب والإنسان في رحم أمه. د. عفاف النجار عميدة كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر