حين نص القرآن الكريم علي أن للرجال علي النساء درجة، لم تكن هذه الدرجة تعني تفضيل الرجال علي النساء، ولم تكن هذه الدرجة تعني الزيادة في حقوق الرجال علي النساء، وذلك في قوله: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (228- البقرة)، إنما هذه الدرجة لا تعني سوي التزام الزوجات بمضيهن واستمرارهن وعدم تكاسلهن أو تقاعسهن أو تعنتهن في بذل الحقوق المشروعة عليهن لأزواجهن والتي هي مثل الحقوق التي لهن علي الأزواج من دون زيادة أو نقصان، لقوله: (مثل الذي عليهن)، وكما وأن أوضحت معني ومفهوم الدرجة في المقال السابق، فالله سبحانه وتعالي لم يفضل في هذه الآية الرجال علي النساء ولم يزد في حقوق الرجل علي زوجته ولم يرفع تلك الحقوق أو يفضلها أو يعظمها، وإنما ألزم الزوجة بالمضي والاستمرار دون تكاسل أو تباطؤ أو تقاعس في بذل تلك الحقوق للزوج، أما فهم معظم الناس لقوله تعالي: (وللرجال عليهن درجة)، إن حقوق الرجل أعظم وأرفع وأفضل وأكثر وأكبر من حقوق المرأة فهو فهم خاطئ مغلوط لدي عموم الناس يجب تصحيحه. وقد يقول قائل: ولماذا ألزم الله الزوجة بالدرجة في بذلها وامتثالها لحقوق الزوج ألا يعد ذلك تمييزا ضد المرأة، أقول: كلا علي الإطلاق، إن هذه الدرجة التي شرعها الله للرجل علي زوجته في امتثالها لحقوقه جعلها في مقابل قوامة الرجل علي زوجته، والقوامة كذلك لا تعني ما يفهمه عموم الناس أنها رتبة أو منزلة أو رئاسة أو وصاية من الرجل علي زوجته، وإنما هي وظيفة للرجل وحق عليه لزوجته، وتعني هذه القوامة إلزام الرجل بالإنفاق علي زوجته وتدبير جميع شئونها واحتياجاتها من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، فللرجل علي زوجته حق الدرجة في مضيها واستمرارها في بذلها وامتثالها لحقوقه، وللزوجة علي الزوج حق القوامة من توفير المأكل والمشرب والملبس والمسكن والرعاية، بدليل قوله تعالي: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَي بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (34_ النساء). والتفضيل المذكور في الآية ليس ما يفهمه عموم الناس أن الله فضل الرجال علي النساء، كلا علي الإطلاق، وإنما التفضيل المذكور في الآية هو: أن الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله به بعض الرجال علي بعض الرجال في الرزق، وبما أنفقوا علي النساء من أموالهم كل حسب ما عنده وحسب ما آتاه الله من فضله ورزقه، فالغني ينفق علي زوجته مما أتاه الله وبما فضله به علي غيره من رزق وكسب، والفقير ينفق علي زوجته مما أتاه الله وبما عنده، هذا كمن يقول: (كل يجود بفضله وبما عنده) ولا يعني التفضيل هنا تفضيل الرجال علي النساء علي الإطلاق، وبرهانا علي ذلك أن الله قال في الآية التي قبلها بآية: (وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَي بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيماً) (32- النساء)، فالتفضيل هو تفضيل في الرزق والكسب وحجم الإنفاق منه، وليس تفضيلا للزوج علي زوجته. إذاً فللرجال عليهن درجة في مضيهن بامتثالهن للحقوق، وللنساء عليهم القوامة بإنفاقهم عليهن بما تفضل الله به عليهم من رزق وكسب، ولو قمنا بعملية وزن لهذه الحقوق وقياس لوجدناها متماثلة تمام المماثلة كما ذكر الحق سبحانه فقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (228- البقرة). دون مفاضلة أو تمييز لطرف علي آخر. وللحديث بقية