بعد قراءة روايات سجود المرأة لزوجها، يحق للمرء أن يسأل ويقول: لماذا لوح رسول الله في كل هذه الروايات بأمره للمرأة أن تسجد لزوجها؟، بالتأكيد سيجيبنا البعض ويقول: لعظم حق الرجل علي زوجته، كما جاء في رواية (أحمد بن حنبل): (من عظم حقه عليها). وكما جاء في رواية (الحاكم في المستدرك) (من عظيم حقه عليها). وهنا يحق للمتسائل أن يسأل مرة أخري، هل بالفعل حق الرجل علي زوجته عظيم لهذه الدرجة المهينة التي من الممكن أن يأمر الرسول الزوجة بأن تسجد لزوجها كلما دخل عليها؟، وهل ورد في القرآن الكريم أن حق الزوج علي زوجته بهذا التعظيم المهين والمذل والمبالغ فيه كما جاء في الروايات، أم أن الأمر وراء ذلك؟. لو عدنا إلي القرآن الكريم لوجدنا أن الحقوق بين الزوجين علي قدم المساواة والمثلية التامة لا تفضيل ولا تعظيم لحق أحدهما علي الآخر علي الإطلاق، قال تعالي: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (228_ البقرة)، ويحق للبعض أن يتساءل عن (الدرجة) التي للرجال عليهن، هل هي حق إضافي للرجل علي زوجته؟، وإذا كان ذلك كذلك، فلماذا جعل الله للرجل حقا إضافيا علي زوجته؟، ألا يعد هذا إجحافا وتمييزا ضد المرأة ومحاباة للرجل؟. أجيب فأقول: كلا علي الإطلاق إذا فهمنا مدلول كلمة (درجة) بشكل صحيح، فمعظم الناس يفهمون كلمة درجة علي أنها حق زائد للرجل علي زوجته، أو تعظيم ورفعة لحق الرجل علي زوجته، وهذا ليس صحيحا وإنما الأمر وراء ذلك تماما، فكلمة: (درجة) في أصل لسان العرب تدل علي مضي الشيء والمضي في الشيء، أي استمرار الشيء أو الاستمرار فيه دون تكاسل أو تقاعس، ومنه قولهم: (درج الشيء)، إذا مضي واستمر لسبيله، وقولهم: (رجع فلان أدراجه)، إذا مضي في رجوعه واستمر فيه، فالدرجة والدرجات لا تعني الرفعة ولا المنزلة ولا التفضيل وإنما المضي في الشيء والاستمرار فيه. وهنا قد يقول البعض: إذا كنت تقول أن الدرجة لا تعني الرفعة ولا التعظيم ولا التفضيل ولا المنزلة، وإنما تعني المضي في الشيء والاستمرار فيه، فماذا تقول في قوله تعالي: (فَضَّلَ اللَّهُ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَي القَاعِدِينَ دَرَجَةً) (95_ سورة النساء). وقوله: (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) (165_ الأنعام). ألا تعني هذه الآيات أن الدرجة تعني الرفعة والتعظيم والتفضيل خلافا لما ذكرت؟، أقول: كلا، فهناك خلط بين مفهوم كلمة (الدرجة) في ذاتها المجردة وبين رفعتها أو تفضيلها أو تعظيمها، وأضرب مثلا بقولنا: (الشمس ساطعة) أو (الشمس مشرقة) أو (غربت الشمس)، فالشمس في ذاتها المجردة شيء وسطوعها وشروقها وغروبها شيء آخر، فكلمة الدرجة في ذاتها المجردة لا تعني سوي المضي في الشيء والاستمرار فيه، أما رفع الدرجة وتفضيلها وتعظيمها فهو مفهوم آخر، ولو عدنا لتلاوة آية الحقوق مرة أخري فلن نجد فيها لا رفع للدرجة ولا تعظيم ولا تفضيل لها، وهذا هو نص الآية مرة أخري: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٌ) (228_ البقرة). وبرهانا علي ذلك قول الحق: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيثُ لاَ يعْلَمُونَ) (الأعراف:182)، أي سنجعلهم يمضون ويستمرون في أعمالهم السيئة من حيث لا يعلمون ليزدادوا إثما، فلا يمكن أن يعني الاستدراج هنا المكانة أو الرفعة أو المنزلة كما يفهم عموم الناس من معني الدرجة، وإنما يعني المضي والاستمرار. (للحديث بقية)