نستكمل في الحلقة الرابعة قراءة كتب "عالم الإسلام" الموجهة لأطفال المدارس في أمريكا ممن تتراوح أعمارهم بين 10 و16 عاما والتي أصدرها مركز واشمان التعليمي التابع لمعهد أبحاث السياسة الخارجية اليميني في الولاياتالمتحدة. وبعد أن قرأنا أربعة كتب حتي الآن هي "الإسلام الراديكالي" و"العلاقات الإسلامية اليهودية قبل 1947" و"تاريخ الاسلام" وكلها مليئة بمغالطات عن الاسلام نابع من تحيز مؤلفي هذه الكتب ضده وهم اسرائيليون أو يهود صهاينة، نقرأ اليوم كتابين جديدين في مجموعة الكتب (وعددها الاجمالي عشرة) هما "الأديان التوحيدية: اليهودية والمسيحية والاسلام" و"الاسلام في أمريكا". مؤلف الكتاب الأول هو "آب ام كوهين" وهو كاتب حر يهودي بالطبع كما يظهر من اسمه يعيش بالقرب من مدينة فيلاديلفيا كما جاء في تعريفه بالكتاب، دون أي اشارة إلي تخصصه أو مجال دراسته أو خبراته السابقة خاصة أنه كاتب مجهول لا توجد أي معلومات عنه علي شبكة الانترنت لمعرفة خلفيته، الا أن فكره الذي بدا من مضمون أول كتاب يؤلفه وهو "الأديان التوحيدية" يبدو معتدلا. اختلافات عقائدية يتناول الكاتب اليهودي نشأة اليهودية والمسيحية والاسلام، موضحا بعض الاختلافات بينها فيما يتعلق بالسيدة هاجر وابنها اسماعيل عليه السلام ومسألة فدائه، فبينما يؤمن اليهود والمسيحيون أن ابراهيم عليه السلام هم بالتضحية بابنه اسحاق.. يؤمن المسلمون بأن التضحية كانت بإسماعيل قبل أن يفاديه الله وهو ما ورد في القرآن الكريم. ويقول الكتاب إن هذه النقطة تحديدا مهمة للغاية لأن اليهود يبنون علي أساسها بأنهم شعب الله المختار طالما أبقوا علي عهدهم مع الله، فيما يؤمن المسلمون بأن عهدهم مع الله يتوقف علي ايمانهم وليس علي سلالتهم أو نسبهم العرقيGenealogy بعكس اليهود. وبالنسبة للعقيدة المسيحية التي تؤمن بأن المسيح إله، يقول الكتاب إن هذه المسألة يعتبرها اليهود "بدعة" لأنها تتعارض مع مبدأ التوحيد، وبذلك فإن اليهود يتفقون مع المسلمين في هذا الأمر. ظهور الإسلام ويصف الكتاب حال الدنيا بأنه انقلب رأسا علي عقب بظهور الاسلام في القرن السابع، وظهر سيدنا محمد (صلي الله عليه وسلم) من قبيلة قريش وسط ثقافة فاسدة اذ لم تكن قريش مهتمة بالأمور الروحانية قدر اهتمامها بالتربح من وضع مكة كمركز روحاني، ولهذا لم تكن سوي قلة مهتمة بمساعدة الفقراء والضعفاء رغم أن ذلك كان من العادات العربية، كما لم تكن النساء تتمتع بأي حقوق وكان العنف سائدا بين القبائل.. وظهر محمد (صلي الله عليه وسلم) رسالة قوية للاصلاح الروحاني والعدالة الاجتماعية وبدين جديد يعامل كل أتباعه علي قدم المساواة والعدل والاحترام، لكن أتباعه واجهوا الاضطهاد ودفع بعضهم حياته ثمنا لعقيدته، بينما تعرض محمد (صلي الله عليه وسلم) نفسه للضرب والتهديد بالقتل. وأشار المؤلف اليهودي الي أن تحول سكان آسيا وشرق افريقيا الي الاسلام جاء بعد تعرضهم له واقتناعهم به، موضحا أن انتشار الإسلام جاء أيضا بالوسائل السلمية فضلا عن توسعات المسلمين وفتوحاتهم. التعايش المعاصر أما مؤلفة الكتاب الثاني فهي آنا ميلمان وهي أمريكية اسرائيلية نائب رئيس تحرير بمركز الأبحاث الدولية في الشئون العالمية "جلوريا" الاسرائيلي أي انها تلميذة باري روبين مؤلف كتاب "تاريخ الاسلام" الذي استعرضنا الأسبوع الماضي حجم المغالطات الكبيرة التي جاء بها. يتناول كتاب "الاسلام في أمريكا" منذ الهجرات الأولي للمسلمين لأمريكا حيث سار المسلمون العرب علي خطي مسيحيي الشرق بعد أن رأوهم يعودون أثرياء لبلادهم، متعرضا لقوانين الهجرة الأمريكية التي أقرت أعوام 1921 و1924 و1953 وحدت من هجرة المسلمين للولايات المتحدة بعد أن وضع الكونجرس حصصا معينة لكل دولة "كوتا" لقبول مواطنيها الذين يرغبون في الهجرة لأرض الأحلام (حددت 100 مهاجر فقط من كل من مصر وسوريا وفلسطين وتركيا علي سبيل المثال)، وذلك رغبة في انتقاء المهاجرين سكان الشمال الغني.. الي أن جاء ليندون جونسون في البيت الأبيض وألغي نظام الكوتا في الهجرة علي أساس الموطن الأصلي عام 1965. وفي معرض حديثها عن نشأة الجالية الاسلامية في أمريكا، تقول ميلمان ان كثيرا من المسلمين هجروا دينهم وذابت هويتهم بل وتحولوا للمسيحية حتي يكون من السهل عليهم الاندماج في المجتمع الأمريكي الذي لم يرحب بهم بنفس درجة المهاجرين المسيحيين، بينما وجد السود خلال القرن العشرين ضالتهم في الاسلام مدفوعين برغبة في الاحتفاظ بهوية دينية تختلف عن هوية البيض.. وبشكل عام فإن المسلمين يحبون العيش متفرقين في المدن وليس ككتلة واحدة متركزة في منطقة بعينها. ويعترف الكتاب بأن غالبية المسلمين مندمجون في المجتمع الأمريكي وأنهم يميلون لأن يكونوا مؤيدين للحكومة ومحافظين اجتماعيا وأن نسبة قليلة منهم - لكنها مؤثرة - هي التي لها نشاط متطرف، مرجعا هذا التطرف لما وصفهم ب"الأئمة المستوردين من الخارج" خاصة من جامعة الأزهر والسعودية، وذلك علي أساس أن هؤلاء الأئمة لا يتحدثون الانجليزية بطلاقة في بعض الأحيان وهم معارضون للقيم الغربية وبالتالي يؤثرون علي المسلمين الأمريكيين باعتبارهم قادة دينيين حتي ولو لم يشترك معهم المسلمون الأمريكيون في قيمهم. ويغفل الكتاب حقيقة أن جامعة الأزهر لا تدرس فكرا متطرفا أو عنيفا والدليل أن لا أسامة بن لادن ولا أيمن الظواهري ولا عبد السلام فرج أو حتي عبود الزمر أو خالد الاسلامبولي تخرج من الأزهر فيما عدا حالة واحدة هو عمر عبد الرحمن زعيم الجماعة الاسلامية، واذا كان الأزهر بالفعل كذلك لما أمنت الولاياتالمتحدة لمؤسسة الأزهر ولجأت الي أئمتها في شهر رمضان الكريم لكي يتحملوا مشقة السفر لأمريكا واعطاء دروس دينية هناك لعموم المسلمين ولكي يتواصلوا مع الشيوخ في أمريكا أيضا اذا كانت تنظر الي فكرهم باعتباره تهديدا يمس أمنها القومي! لكن حتي وإن كان عموم المسلمين في الولاياتالمتحدة مندمجين في المجتمع، فإن السؤال عنهم يظل هل تحدث أمركة للإسلام أم أسلمة أمريكا؟ وهو عنوان فرعي في الكتاب يتناول اختيار بعض الأسر المسلمة لمدارس وجامعات اسلامية خاصة لكي ترسل أبناءها اليها خوفا من "درجة الأمركة التي يواجهها المسلمون". يقر الكتاب أيضا بالصورة الذهنية السلبية التي يحملها الأمريكيون بشكل عام عن المسلمين، بل إنه يعترف بأن هذه الصورة لم تكن السبب فيها هجمات سبتمبر وذلك لأن الولاياتالمتحدة لديها تاريخ من التحيز والاضطهاد تجاه المسلمين يرجع لبدايات هجرات المسلمين لأمريكا في القرن التاسع عشر بسبب قوانين كانت تمنعهم من بناء المساجد، مشيرة الي صورة الانسان العربي الإلكترونية المعروفة بأنه صاحب الأنف الذي يشبه الخطاف والعيون المخادعة والتي تعززت في أفلام الكرتون وأفلام هوليوود. وتستطرد المؤلفة: كان المسلمون ضحايا الاضطهاد وجرائم الكراهية، الا ان العداء للمسلمين في أمريكا أقل من العداء لهم في كندا وأوروبا، وتقول في النهاية "ان المسلمين العاديين في الولاياتالمتحدة شعروا بالتهميش والاضطهاد علي الرغم من ايمانهم بأنهم يستطيعون بناء حياة سعيدة ومندمجة في المجتمع الأمريكي. وستحدد السنوات القادمة الي أي اتجاه ستذهب الجالية الاسلامية في أمريكا بينما يواصلون محاولة وضع أنفسهم داخل بناء المجتمع الأمريكي". منظمات متهمة بالتطرف ويستعرض الكتاب المنظمات الاسلامية الأمريكية قبل تناول ما يصفه بالمنظمات السياسية، والغريب أن الأمثلة التي يذكرها الكتاب هي لمنظمات يتهمها بالتطرف وهي المجتمع الاسلامي لأمريكا الشمالية Islamic Society of North America (ISNA والدائرة الاسلامية لأمريكا الشمالية Islamic Circle of North America (ICNA اذ يقول عن الأولي ان البعض يتهمها بنشر أفكار وهابية وبارتباطها بالارهاب بينما يتهمها آخرون بالجبن لأنها لم تدافع عن المسلمين الذين تعرضوا لاعتداءات بعد هجمات سبتمبر، بينما يقول عن الثانية انها متهمة بصلتها بالجماعة الاسلامية الباكستانية، مبرزا بعض التقارير التي اتهمت منظمة المجتمع الأمريكي المسلم Muslim American Society (MAS) التي تتبع الدائرة الاسلامية لأمريكا الشمالية بعلاقاتها مع جماعة الاخوان المسلمين. أما المنظمات الاسلامية التي صنفها الكتاب علي أنها سياسية لأنها تهدف لتغيير السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي الاسرائيلي، فشملت المجلس الاسلامي للشئون العامة Muslim Public Affairs Council (MPAC( الذي وصفه الكتاب بأنه الأكثر اعتدالا وأوضح أنه الوحيد الذي لا يتلقي تمويلا خارجيا) والتحالف الأمريكي الاسلامي American Muslim Alliance (AMA) والمجلس الأمريكي المسلم American Muslim Council (MAC) التي أسسها محمود أبو السعود المسئول البارز في جماعة الاخوان وأغلقت بعد هجمات 11 سبتمبر بعد اكتشاف صلتها بجماعات في سوريا تعتبرها الولاياتالمتحدة ارهابية، لكن أعيد فتحها بعيدا عن رئيس مجلس ادارتها السابق عبد الرحمن العمودي الذي كان متورطا في هذه القضية، قبل أن يذكر مجلس العلاقات الأمريكية الاسلامية المعروفة باسم منظمة "كير" التي قال عنها الكتاب انها "متهمة بصلتها بالارهاب الاسلامي الأجنبي" قاصدا حركة حماس الفلسطينية. ويذكر الكتاب أيضا بعض المنظمات الخيرية التي أدينت بتهم تمويل الارهاب، الا انه لم يغفل في نفس الوقت المنظمات الاسلامية التي تحارب الارهاب في أمريكا وتتواصل مع منظمات داعية للسلام سواء كانت يهودية أو مسيحية.. مشددا علي أن غالبية المسلمين في الولاياتالمتحدة لا يدعمون الاسلام الراديكالي وداعما ذلك باحصائيات وتقارير ذات مصداقية تؤكد ذلك. التمويل الأجنبي يقول الكتاب: في عام 1997، خلص تقرير لل"سي آي ايه" الي أن "ثلث المنظمات الاسلامية غير الحكومية (في الولاياتالمتحدة وهي أكثر من 50% تقريبا يدعم الجماعات الارهابية أو يوظف أشخاصا يشتبه في صلتهم بالارهاب"، هذه الجماعات تنجح بفضل حجم التمويل الضخم الذي تتلقاه من الخارج. بالرغم من أن كثيرا من الجماعات تنفي مزاعم تلقيها دعما أجنبيا، الا أن العديد منها تلقي ملايين الدولارات من السعودية والدول الخليجية الأخري فتعطي هذه الدول تأثيرا كبيرا علي التعاليم الدينية.. الي هنا ينتهي حديث المؤلفة وهو ما يعني أن الدعم الخارجي لمنظمات يفترض أنها وطنية ينظر له بعين الشك حتي في الولاياتالمتحدة، فلماذا تستنكر علينا حكومات أمريكية مختلفة أن ننظر بنفس الطريقة الي التمويل الأجنبي الذي يصل الي المنظمات والجمعيات المصرية غير الحكومية في مصر؟ بل ان الكاتبة تشيد باحدي المنظمات الاسلامية في الولاياتالمتحدة وهي المجلس الاسلامي للشئون العامة لأنه يرفض التمويل الأجنبي. دفاع عن اسرائيل ولما كانت المؤلفة اسرائيلية، فانه من غير المعقول أن تفوت فرصة الا وتستغلها للدفاع عن اسرائيل بصورة أو بأخري مثل أن تكتب تعليقا علي صورة لمساعدات انسانية أرسلتها منظمة اسلامية للبنان خلال الحرب بين حزب الله واسرائيل عام 2006 من أجل المدنيين اللبنانيين الذين "تأثروا" بالحرب.. هكذا وصفت الضحايا اللبنانيين.. بأنهم متأثرين! في نفس السياق، وصفت ميلمان الكاتب دانيال بايبس رئيس منتدي الشرق الأوسط والمعروف بانتماءاته الصهيونية المعادية بشكل فج لكل ما هو مسلم وعربي بأنه « محافظ» ليس الا بل انها تستشهد أيضا بأحد كتبه بعنوان "الاسلام المسلح" في المراجع المقترحة بنهاية الكتاب.. رغم أنه لو كان هناك اتهام علي غرار معاداة السامية لكل من يعادي المسلمين كدين أو العرب كعرق مثلما يفعل اليهود لكان بايبس أول الموضوعين علي قائمة المعادين للسامية.. والتاريخ يقول أيضا أن العرب ساميون! ونستكمل قراءة الكتب الاثنين القادم