في شهر مارس الماضي، تفجرت أزمة كبيرة في ولاية فيلادليفيا الأمريكية بسبب سلسلة كتب "عالم الاسلام" التي أصدرها مركز تعليمي تابع لمعهد فكر أمريكي ينتمي لتيار اليمين المحافظ وبالتالي فإن فكرة دعمه لاسرائيل لا تقبل التشكيك. الكتب أثارت حفيظة بعض المنظمات الاسلامية مثل منظمة "كير" خاصة لكونها كتبا تعليمية تستهدف العقول الصغيرة.. الأطفال من سن 10-16 سنة.. في المدارس الأمريكية وأيضا في المكتبات العامة.. تنشر فيهم سموما فكرية ضد الاسلام كعقيدة وتحاول نشر فكرة أن المسلم الجيد أو المسلم الطيب هو من لا يتبع تعاليم دينه لأنه لو اتبعها يصبح متطرفا، لكن مؤلفي الكتب كانوا علي درجة عالية من الدهاء بحيث بثوا السموم بطريقة ذكية غير مباشرة إلي حد كبير حتي لا يؤخذ ضدهم شيء. الأزمة كتب عنها الكثير وشنت منظمة "كير" الأمريكية الاسلامية حملة ضدها لم تنته الي وقتنا هذا بينما تصدت علي الجانب الآخر المنظمات والمراكز الأمريكية المتطرفة لحملة "كير" وتبنت الدفاع عن الكتب والزعم بأنها تقدم فكرة صحيحة عن الاسلام ولا تهاجمه.. وكيف يمكن لهذه الكتب التي تتحدث عن الاسلام أن تكتسب مصداقية وكل مؤلفيها، أو علي الأقل معظمهم، هم يهود مؤمنون بالفكر الصهيوني.. بعضهم حتي لا تستطيع أن تجد عنه أي معلومات علي شبكة الانترنت لمعرفة مدي مصداقية حديثه أو خلفيته، ولا يبقي أمامك سوي التعريف المذكور في الكتاب لمؤلفه والذي عرف اثنين من الكتاب هما دوروثي كافانوه وآب ام كوهين علي أنهما "كاتب حر" الأولي تعيش بالقرب من فيلاديلفيا والثاني يعيش في المدينة نفسها، لعدم توافر أي معلومات تذكر عنهم من مؤلفات أو كتابات أو حتي أي خلفيات عنهم! تحليل سلسلة "عالم الإسلام" التي تضم 10 كتب ومتوسط عدد صفحات كل منها 55 صفحة والوقوف علي مواطن الخطأ والافتراء لتقدير حجم التلاعب في عقول التلاميذ الأمريكيين في المدارس الحكومية لم يكن ممكنا من دون الاطلاع علي الكتب نفسها، وهو ما جعلنا نتصل ب"معهد أبحاث السياسة الخارجية" أو Foreign Policy Research Institute (FPRI) الذي أصدر هذه الكتب عن طريق مركز "واشمان" التعليمي المنبثق عنه والذي بدوره حولنا الي دار "ماسون كريست" للنشر لترسل الينا نسخة من الكتب لتبدأ رحلة معاناة مع مجمع البحوث الاسلامية للحصول علي موافقة رسمية بادخال الكتب بغرض العمل الصحفي فقط وليس للتداول أو اعادة النشر أوالترجمة، وذلك لأن بها ما يسيء للعقيدة الاسلامية. ونحن في "روزاليوسف" نبدأ من اليوم في "بيوت التفكير" عرض وتحليل ما جاء بالكتب العشرة والحديث مع أطراف الأزمة وهي: مركز واشمان التابع لمعهد أبحاث السياسة الخارجية بالولاياتالمتحدة، منظمة "كير" والناشر "ماسون كريست" حول مضامين الكتب. بداية، يمكن تصنيف الكتب العشرة الي قسمين الأول وهو الأقرب لواقعنا المعاصر ويشمل 4 كتب تتناول التطرف الاسلامي، العلاقات بين المسلمين واليهود قبل عام 1947 (في محاولة لإظهار أن العداوة التي يكنها المسلمون لليهود لا علاقة لها باسرائيل وانما هي متجذرة في أصول العقيدة الاسلامية)، الاسلام في أمريكا والاسلام في أوروبا، بينما يضم القسم الثاني الستة كتب المتبقية وتتناول تاريخ الاسلام، العالم الاسلامي، الأعياد والاحتفالات الاسلامية، الانقسامات داخل الاسلام، الاسلام والقانون وحقوق الانسان وأخيرا الديانات التوحيدية (اليهودية والمسيحية والاسلام). الصورة الذهنية "الاسلام الراديكالي" هو عنوان الكتاب الوحيد الذي يتناول قضية الارهاب في الكتب العشرة، وهو من تأليف آلان لوكسنبرج مدير مركز واشمان بمركز أبحاث السياسة الخارجية الذي يشغل فيه منصب نائب المدير العام. ولوكسنبرج هو كاتب يهودي صهيوني له كتابات عديدة في صحف "ذا فوروورد" الأمريكية اليهودية و"جويش اكسبوننت" و"لوس أنجليس تايمز" وغيرها الكثير، وهو حاصل علي ماجستير في التاريخ من جامعة "تمبل"، كما أنه يدرس للأطفال في المرحلة الاعدادية بمدرستين دينيتين (يهوديتين) بمدينة فيلاديلفيا. قبل الدخول في التفاصيل، فان غلاف الكتاب نفسه يحمل دلالات كثيرة فهو مثلا لم يحمل صورة لبرجي التجارة العالمي اللذين ضربا في الحادي عشر من سبتمبر أو تفجيرات بالي في اندونيسيا أو أي هجوم دموي دولي وقع في السنوات الأخيرة، وانما اختار مصمم الغلاف ويدعي "أندرو ميزفينسكي" أن يظهر ارهابا من نوع آخر بخلاف هذا كله.. الارهاب الفلسطيني الذي يستهدف اسرائيل المسالمة.. فتظهر الكوفية الفلسطينية المعروفة وفوقها سلاح باللون الأخضر (تعبيرا عن الحرب باسم الاسلام) وأسفلها دماء تسيل باللون الأحمر، لتترسخ بالتبعية صورة ذهنية عن المقاومة الفلسطينية باعتبارها نموذجاً للتطرف الاسلامي، حتي وان كان هذا الكتاب تحديدا لا يذكر كلمة واحدة عن الصراع بين الفلسطينيين والاسرائيليين وبالتالي لا يصنف أي عمليات من أي طرف منهما علي أنها ارهاب، لكن لا بد من حشر "الارهاب الفلسطيني" كما يصفه المركز في كتاب الاسلام الراديكالي .. ولم لا والمركز يضم يهودا يؤمنون بالفكر الصهيوني منهم مؤلف الكتاب نفسه آلان لوكسنبرج. الإسلام والارهاب يبدأ الكتاب بعبارة "كان يوما لن ينساه أي أمريكي عاش اللحظة" في اشارة الي يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 لكنه يقول إن الحرب الأمريكية علي تنظيم القاعدة لم تبدأ في 2001 وانما في عام 1998 عندما فجرت القاعدة السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا وقال حينها جورج تينيت مدير المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي ايه" في مذكرة لأجهزة المخابرات الأمريكية المختلفة "نحن في حرب مع القاعدة"، ليؤكد لوكسنبرج أن الحرب الأمريكية علي الاسلام الراديكالي بدأت قبل وصول جورج دبليو بوش إلي البيت الأبيض أساسا. يعرف المؤلف الفكر الاسلامي المتطرف بأنه الفكر الوهابي المعادي للحداثة وبالتالي معاد للايديولوجية الأمريكية الذي نشأ في السعودية، ساخرا من العلاقات الوثيقة التي تربط بين واشنطن والرياض في الوقت الذي تنشر فيه السعودية هذا الفكر، ومحذرا من هذا الفكر الذي بات سائدا في السعودية التي تملك أكبر حصة من النفط في العالم ولهذا يحتاج لها الغرب. ويعتبر أن قيادة هذا الفكر المتطرف تنصب علي السعودية ومصر اذ ينتمي لهما محمد بن عبد الوهاب مؤسس الفكر الوهابي وسيد قطب صاحب التأثير الكبير علي الفكر المتطرف، حتي أن شقيقه محمد قطب كان أحد أساتذة أسامة بن لادن في احدي الجامعات السعودية. حرب المسلمين الداخلية الا أن الكتاب يعترف أيضا بأن أمريكا لم تكن الدولة الوحيدة التي عانت من الاسلام الراديكالي الذي ضرب أيضا اندونيسيا واسبانيا وبريطانيا والهند والأردن وتركيا دون تفرقة بين الدول الاسلامية أو غير الاسلامية، بل إنه يؤكد في مواضع عدة أن المسلمين هم أولي ضحايا الاسلام الراديكالي ولهذا فإن العالم الغربي يجب أن يتحالف مع العالم الاسلامي في الحرب علي الاسلام الراديكالي الذي يتعين تعريفه كعدو بشكل واضح حتي لا يحدث التباس عند المسلمين فيظنون أنها حرب علي الاسلام وأتباعه كلهم، ثم يستعرض بعد ذلك جهود شخصية وحكومية لمكافحة التطرف في الدول الاسلامية. لكن لوكسنبرج سرعان ما ينتقل الي الدافع وراء ارهاب 11 سبتمبر ويرجعه الي الحرب الداخلية الدائرة بين المسلمين.. بين معسكر المعتدلين ومعسكر المتطرفين، قائلا إن تصور أمريكا باعتبارها هي العدو الرئيسي لتنظيم القاعدة وأن هجوم 11 سبتمبر كان الشرارة الأولي وأن أمريكا تحارب العالم الاسلامي هو تصور خاطئ، مضيفا أن الصراع الذي دخلت فيه أمريكا الآن بدأ كحرب داخل الاسلام وبين المسلمين أنفسهم ثم اتسعت هذه الحرب لتشمل العالم أجمع. ويستطرد المؤلف: أسامة بن لادن يمثل حركة سياسية عنيفة تتمسك بالأصول الدينية من حكم الخلافة والسيطرة علي جميع الأراضي التي حكمها الاسلام يوما ما وتطبيق أصول الشريعة الاسلامية كما وردت دون تغيير أو تجديد عن طريق الاجتهاد في تفسير معاني القرآن الكريم والسنة النبوية الذي لم يعد له مكان منذ عام 1000م وتسبب كما يقول بعض المؤرخين في انهاء العصر الذهبي للمسلمين حين كانوا متقدمين علي أوروبا لانجازاتهم في مجالات العلوم والرياضيات والفلسفة فتصبح أوروبا هي مركز القوة والتكنولوجيا ، لكن الاسلاميين المتشددين يعتقدون أن اعادة قوة وعظمة العالم الاسلامي لن تأتي الا بالعودة للأصول وممارسة الاسلام بالطريقة التي كان يمارسها المسلمون حين كانوا في أوج مجدهم متخذين من ابن تيمية مرجعا لفكرهم.. وان كان معظم المسلمين لا يتبنون فكرة العودة للأصول. لوكسنبرج سخر أيضا في كتابه من اعلان بن لادن الجهاد ضد اليهود والصليبيين عام 1998- معتبرا أنه يجمع مجموعتين أو فئتين متناقضتين بالنظر الي أن الصليبيين قاموا بمذابح كثيرة ضد اليهود في أوروبا وفي فلسطين (التي يسميها بالأرض المقدسة)، الا انه عاد وفسر موقف بن لادن بأنه ينطوي علي الجهاد ضد الولاياتالمتحدة وحليفتها اسرائيل (التي يصفها الكتاب بأنها دولة يهودية). مدلولات سياسية وعند الحديث عن معركة القلوب والعقول التي ظهر مصطلحها في عهد الادارة الأمريكية السابقة، ذكر لوكسنبرج أن ايران تعد حاليا أكبر دولة داعمة للارهاب الاسلامي سواء كان للجماعات الشيعية مثل حزب الله أو الجماعات السنية مثل حركة حماس، متطرقا للاعجاب الكبير الذي يكنه المتطرفون السنيون من تنظيم القاعدة وغيره للإسلاميين الشيعة الذين قادوا الثورة الايرانية عام 1979 ونجحوا فيما يأمل الإسلاميون السنة أن يفعلوه لكنهم لم يستطيعوا حتي الآن. الفهرس الزمني أو التأريخ الزمني للأحداث كما ورد في نهاية كتاب "الاسلام الراديكالي" شمل تواريخ تأسيس المملكة العربية السعودية في اشارة ضمنية الي نشأة دولة اسلامية متطرفة وأيضا نشأة حزب الله وحركة حماس وتنظيم القاعدة، بالرغم من أن حماس هي الجهة الوحيدة من الجهات المذكورة التي لم تهاجم هدفا أمريكيا.. كما يخلو هذا التأريخ الزمني من أي هجوم شنه اسلاميون متطرفون علي أي دولة اسلامية مثل اندونيسيا أو حتي السعودية عام 1996 في مدينة الخبر التي اكتفي الكتاب بنشر صورة للمبني السكني الذي تم استهدافه. ويذكر الكتاب في النهاية مصادر لمراجع اضافية يمكن الرجوع اليها من بينها الأرشيف الرقمي ل11 سبتمبر ويضم صفحة لانطباعات وكلمات أطفال أمريكيين عن الهجوم.. في محاولة ناجحة في أغلب الأحيان لاستثارة العواطف ومشاعر الغضب والحزن وربما الانتقام داخل النفوس الصغيرة التي لا تعرف سوي ما يمليه عليها الكبار دون أن تكون قادرة في مثل هذا العمر (10 سنوات) علي الادراك والتمييز بين فئة ضالة تظهر صورة خاطئة عن عقيدة الاسلام السمحة.. فكما يقول المثل "التعليم في الصغر كالنقش علي الحجر". عناوين الگتب 1- الإسلام الراديكالي Radical Islam تأليف: آلان لوكسنبرج - مدير مركز واشمان بمعهد أبحاث السياسة الخارجية، وهو معني بشئون التثقيف الدولي والمدني في المجتمع وفي الفصل المدرسي، وهو أيضا مؤلف كتاب: انتداب فلسطين ونشأة إسرائيل أحد كتب سلسلة "صناعة الشرق الأوسط الحديث" الصادر عن دار نشر "ماسون كريست". 2- العلاقات الإسلامية اليهودية قبل 1947 Islamic Jewish Relations before 1947 تأليف: تانيا سكلار - مساعدة أبحاث بمركز الأبحاث الدولية في الشئون العالمية (جلوريا) بمركز هرتزيليا الاسرائيلي، وهي حاصلة علي بكالوريوس في العلاقات الدولية ومكافحة الارهاب من مركز هرتزيليا الاسرائيلي. 3- الإسلام في أمريكا Islam in America تأليف: أنا ميلمان - باحثة بمركز جلوريا وبدوريته "ميريا" وهي اختصار لعرض الشرق الأوسط للشئون الدولية. 4- الإسلام في أوروبا Islam in Europe تأليف: مايكل رادو- كان باحثا بمعهد أبحاث السياسة الخارجية "فبري" وأحد رئيسي مركز الارهاب ومكافحة الارهاب والأمن الداخلي بالمعهد، وقد قام بتأليف الكثير من الكتب عن الاسلام قبل وفاته. 5- تاريخ الإسلام The History of Islam تأليف: باري روبين - مدير مركز جلوريا الاسرائيلي ورئيس تحرير دورية "ميريا". 6- العالم الإسلامي: نظرة عامة The Muslim World: an Overview تأليف: دوروثي كافانوه - كاتبة حرة تكتب عن الإسلام والمسيحية واليهودية. 7- الانقسامات داخل الإسلام Divisions within Islam تأليف: جون كالفيرت - أستاذ مساعد للتاريخ بجامعة كريتون وهو متخصص في التاريخ الاسلامي الحديث والتاريخ الاسلامي في القرون الوسطي كما يكتب عن الحركات الاسلامية. 8- الأعياد والاحتفالات الإسلامية Islamic Festivals and Celebrations تأليف: دوروثي كافانوه - كاتبة حرة تكتب عن الاسلام والمسيحية واليهودية. 9- الديانات التوحيدية: اليهودية والمسيحية والإسلام The Monotheistic Religions: Judaism, Christianity, Islam تأليف: آب ام كوهين - كاتب حر معروف. 10- الإسلام والقانون وحقوق الإنسان Islam, Law and Human Rights تأليف: أنا ميلمان - باحثة بمركز جلوريا وبدوريته "ميريا"