عندما نحاول أن نضع تعريفًا لحالة مجتمع تتنوع فيه المذاهب والأديان والمستويات الاجتماعية والثقافية، علينا قبل وضع التعريف أن نسأل: ما هي حالة هذا المجتمع هل هو في حالة استنفار لكل الاختلافات الواقعة والحادثة بين أطرافه أم أنه في حالة توافق علي الأساسيات القومية والمستقبلية إذا كانت الحالة الأولي يكون تعريفنا لهذا المجتمع أنه مجتمع متعصب وإذا كانت الحالة الثانية نقول إنه مجتمع قادر علي التكيف رغم الاختلافات، مجتمع يعطي للآخر حق الاختلاف فالتعصب آفة تنخر في عظام الأمة يأكل روحها ويشتت جهودها أما القدرة علي التكيف فتعتمد علي فكرة التسامح وفعلها والتي بمقتضاها تميل الجماعات المتعارضة إلي الانسجام المتبادل وتحاشي الصراع من أجل التوصل إلي حل عملي وكل ذلك في ظل مبدأ عدم التدخل في معتقدات وتصرفات الآخرين. وعدم التدخل هنا لا يروق لأفراد المجتمع خاصة مجتمعاتنا التي يتدخل كل ساكن في الشارع في شئون أهل الشارع وكل مدرس في مدرسة في شئون كل المدرسين والمدرسات... إلخ. إن الفارق بيننا وبين الغرب أن الغرب يعيش الفرد فيه منعزلاً تمامًا عما حوله ولا يتدخل حتي لو وجده في حالة خطورة أما عندنا فالإنسان يتدخل علي مدار الساعة في أشياء لا تعنيه، وهذه هي المعضلة الكبري، لذلك فالتسامح هنا «عش واترك الآخرين يعيشون». ولهذا نقول إن علي المرء أن يتجاهل الآراء والأفعال التي لا تتناسب معه، ثم يمكنه أن يعبر بصورة مهذبة عن عدم تحبيذه لها، لكن ليس عليه أن يفهمها، أو يحتقر من يتبنونها ويعيشون عليها والتسامح يبني علي مبادئ الإخاء الإنساني والاعتراف بالآخر واحترامه، والمساواة بين الناس جميعًا، والعدل في التعامل معهم بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية واللغوية، وإقرار ما يسمي بالحرية المنظمة. ولقد اختلف مفهوم التسامح في الماضي عما عليه الآن، ففي الماضي كان مجرد سلوك فاضل، بمعني أن يكون طرف له اليد العليا ويتسامح مع الآخر الأقل علي سبيل المجاملة، أما اليوم فتغيرت النظرة إلي المفهوم الذي أسسته الثورة الفرنسية «الحرية والمساواة والإخاء» حيث تخلي عن الطابع الأبوي وأصبح يقوم علي «الحق» الذي لا تفريط فيه ويرتبط بالمواطنة التي تعني عدم التمييز بين الناس فالتسامح يعني الاحترام والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ويكون من جميع الأطراف نحو بعضها البعض. ولا يعني ذلك التساهل بل هو موقف إيجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته والسؤال الآن هل نحن شعب متعصب أم متسامح؟!