بالرغم من وفرة الإنتاج المسرحي التي شهدها البيت الفني للمسرح علي مدار السنوات الماضية إلا إن ذلك لم يفلح في جذب الجمهور وإعادته للمسرح من جديد، خاصة أن هناك عوامل أخري متشابكة لم يلتفت إليها المسئولون عن الحركة المسرحية أهمها جودة العمل المسرحي المنتج وكيفية التسويق له إعلاميا، فللأسف لا يزال البيت الفني للمسرح يعمل بسياسة تسويقية قديمة بمعني أنه لم يتم إنشاء هيكل إداري مسئول عن التسويق طوال هذه المدة لكنه اعتمد علي مجرد إعلانات بالشوارع والطرقات التي لم يخطط لها أيضا بشكل جيد، لذلك توجهنا لرئيس قطاع الإنتاج الثقافي الدكتور أشرف زكي والمشرف العام علي إدارة البيت الفني للمسرح وسألناه عن تأخر إنشاء إدارة للتسويق فقال: أعتقد أنني أحدثت طفرة كبيرة بالدعاية والإعلان عن عروض البيت الفني خلال الفترة الماضية. فمعظم الطرقات أصبح بها لافتات إعلانية لأغلب عروض البيت الفني وكذلك الفضائيات وهذا لم يكن موجودا من قبل وحدثت طفرة أيضا في الإيرادات، إلي جانب ذلك نقوم حاليا بعمل إدارة خاصة بالتسويق وبدأت بالفعل في عمل اتفاقات لتسويق العروض مع الشركات ووزارة القوي العاملة واتحاد عمال مصر، أيضًا بعد افتتاح مسرح الطليعة الذي انتظرته بفارغ الصبر قمنا بعمل اتفاق مع جامعة عين شمس حتي نوفر كارنيهات لطلاب الجامعة لحضور العروض المسرحية خاصة أن مسرح الطليعة له جمهور مختلف. علي الجانب الآخر أجمع المسرحيون علي أن الأزمة لا تتعلق بالتسويق فقط وأكدوا أنه ليس هو المشكلة الحقيقية بل مستوي السلعة أو العروض المسرحية المقدمة وكان علي رأس المعارضين لوجود أزمة تسويق، المخرج المسرحي سمير العصفوري الذي قال: هذه حجة أو «تلكيكة» العروض الضعيفة، فكيف أقدم عملاً مسرحياً ليس به أي عناصر جاذبة وأطلب له تسويقا جيدًا وأضاف: أذكر أنني منذ ثلاثين عاماً كان هناك رجل من أهم صناع المسرح في مصر وأهم المسئولين عن العملية التسويقية به هو محمود صبحي والد الفنان محمد صبحي وكان يعمل دائماً بشكل مستمر علي تسويق عروض المسرح القومي فطلبت منه أن يساعدني في تسويق أحد أعمالي بمسرح الطليعة فقال وقتها كيف أسوق لعمل لا أعرف من العاملين به، فتسويق السلعة مرتبط بجودتها وجودة العاملين بها كما أن التسويق عادة يعتمد علي الإغراء وإذا انتفي هذا العنصر فشلت العملية التسويقية فلا يمكن تسويق أعمال ليس لها أصحاب لأن مندوب التسويق لا يمكن أن يحلف بالطلاق أن العرض جيد!! ويضيف: إلي جانب ذلك أعتقد أن أصحاب الأعمال المقدمة أيضاً مسئولون عن التسويق لأنفسهم مثل خالد جلال بمركز الإبداع فهو نجح في ذلك بجدارة وكذلك هناك شباب كثيرون يستطيعون التسويق لأعمالهم عن طريق الإنترنت، وفي النهاية العرض الفاشل لن تنجح معه أي خطة أو عملية تسويقية. أما الناقد المسرحي حسن عطية أضاف قائلاً: يبدو أن البيت الفني للمسرح لا يزال يعمل بمنطق الستينيات أو السبعينيات وهو منطق قديم في عملية التسويق أو الدعاية والإعلان الخاصة بالعروض المسرحية، لأنه منذ أن بدأنا نعمل بمنطق تسليع الأشياء أي تحويل المنتج إلي سلعة اختلفت المفاهيم، وكان لابد أن يختلف معها منطق البيت الفني وهذا ما جعله في مأزق لأنه لابد أن يقدم أعمالاً ذات قيمة فنية وثقافية وفي نفس الوقت قابلة للتسويق، فلابد من التعامل بالمنطقين معاً لأن جمهور المسرح هو جمهور الطبقة المتوسطة والفقيرة وشباب الجامعات والموظفون، لذلك أري أنه لابد أن يكون هناك جهاز للتسويق بالبيت الفني للمسرح بدلاً من الاعتماد علي بعض الأفراد الماهرين في هذه المسألة فقط، فمثلا في المسرح الحديث هناك ممثل ماهر في هذه العملية لذلك قد يعتمدون عليه دائمًا ويشركونه في أدوار بأكثر من مسرحية حتي يسهل عليهم تسويقها، وكذلك بمسرح الطفل هناك اتفاق بين المسرح والمدارس، وهذا غير كاف لأنه لابد من إقامة جهاز إداري كامل مسئول عن التسويق بالبيت نفسه بدلا من هذه المحاولات المتفرقة حتي يعمل هذا الجهاز علي أسس علمية حديثة في هذا المجال حتي تصل السلعة لمستحقيها. المخرج المسرحي هشام عطوة أوضح: لا أري أننا نعاني من أزمة تسويق بل الأزمة في الأساس تتعلق بجودة العمل المسرحي المقدم، وفي رأيي أن العرض الجيد هو الذي يسوق لنفسه بدليل أن عرض مثل «الملك لير» للفنان يحيي الفخراني حقق نجاحًا مدويا وكذلك كان عرض «أهلا يا بكوات» والعرض الذي قدمته في مسرح الطليعة «كاليجولا» أيضًا حقق نجاحًا كبيرًا حتي أنني أحيانًا كنت أضطر لعمل حفلين في اليوم بدلا من حفلة واحدة، لذلك لابد أن نهتم أولاً بتقديم أعمال مسرحية ذات قيمة وسوف يأتي لها الجمهور لأنني مهما حاولت تسويق عمل سيئ فلن يفلح معه أي شيء، فالجمهور الذي سيأتي للعرض المرة الأولي هو الذي سيروج لجودة العرض أو العكس وبالتالي سيترتب عليه سمعة سيئة أو جيدة عن العمل.