لم يكن مرور 500 عام علي ميلاد المصلح الفرنسي «جون كالفن» والذي تنتمي إليه الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر حدثا عاديا، فقد أقامت الكنيسة احتفالية كبري أناب فيها الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف الشيخ سالم عبدالجليل وكيل الوزارة للحضور وإلقاء كلمة باسمه. تحدث «عبدالجليل» عن الإصلاح الديني مؤكدًا أن الدين قاسم مشترك بين بني الإنسان الذين يولدون متدينين بالفطرة، كما أن التعايش المطلق بينهم من المبادئ التي حث عليها الدين، موضحًا أن هناك العديد من الأقوال المتشابهة بين «كالفن» والسيدة رابعة العدوية مثل قولهما إننا نعبد الله محبة وليس خوفًا من النار أو طمعًا في الجنة، مشيرًا إلي أن الإصلاح يقابله التجديد الديني في الإسلام خاتمًا كلمته بأن الإنسان هو بنيان الله وملعون من يهدم هذا البنيان. من هو كالفن ولد «جون جيرار كالفن» في 10 يوليو 1509 بشمال باريس وكان والده سكرتيرا للأسقف، وبدأ كالفن دراسته الجامعية وعمره 12 عامًا فدرس الأدب ثم اللاهوت والفلسفة اليونانية والرومانية القديمة. «جون كالفن» يعتبر الجيل الثاني للمصلحين بعد لوثر وزوينجلي وقد قطع علاقته بالكنيسة الكاثوليكية بعد القبض علي أخيه وإعدامه في حكم الملك فرنسيس الأول ملك فرنسا والذي كان كاثوليكيا متعصبًا، التقي كالفن بزعماء الإصلاح وكتب كتاب الأنظمة في أربعة أجزاء بعد هروبه إلي سويسرا بعد تلك الحادثة. وفي الفترة من 1536 - 1538 صدر مرسوم من الحكومة الفرنسية والذي يسمح بعودة الهراطقة للكنيسة الكاثوليكية فعاد كالفن إلي فرنسا لمدة ثلاثة شهور فقط، إلا أنه بعد ذلك طلب منه البقاء في جنيف ليقود الإصلاح من هناك. إلا أنه في عام 1538 تم نفي كالفن إلي مدينة ستراسبورج بعد أن تم انتخاب مجلس مدينة جنيف ونجاح أعداء كالفن وفي المنفي قام بطبع جزء جديد من كتاب الأنظمة وألف كتاب ترانيم إنجيلية وتفسير رسالة رومية وكتابه رسائل عن القربان وغيرها من الكتب. وفي عام 1541 دعا مجلس مدينة جنيف كالفن للعودة من المنفي وكان الإصلاح عند كالفن يعني تعاون الحكومة مع الكنيسة والتي وضع لها نظاما خاصا للإدارة وهو أن تدار الكنيسة بواسطة مجلس يتكون من رعاة وشيوخ مع ضرورة تعاون الرعاة مع مجلس الكنيسة لتحقيق النجاح الروحي. ثورية كالفن بالرغم من أن كالفن يعد أحد مصلحي الكنيسة إلا أنه قام بطرد كل المخالفين له في الرأي من جنيف كما حكم علي أحد الهراطقة بالإعدام حرقا اضافة إلي أنه عين مراقبين لمراقبة سلوك سكان جنيف بهدف إصلاح أخلاق السكان وتخويف اتباع البابا الموجودين سراً في جنيف وأصبحت الكالفينية أيديولوجية ثورية ضد الملكية الظالمة، وبالرغم من تفسيره إلي الكتاب المقدس إلا أنه أعلن بصراحة أنه عجز عن فهم سفر الرؤية وتفسيره. هل تصلح الكالفينية للتطبيق المعاصر؟ سؤال طرحه الموجودون بالاحتفالية وأجاب عنه القس صفوت البياضي رئيس الطائفة الإنجيلية قائلاً: نحن لسنا عبيداً لأفكار إنسان وإنما نشيد به فقط ونأخذ ما يناسبنا مع فهم الحاضر والتحديات التي تواجهنا، موضحاً أنه بالرغم من أن كالفن يميز في تعليمه بمخاطبة العقل والقلب والسلوك والعاطفة إلا أننا لا يمكن أن ننكر أنه حرم دخول غير اللاهوتيين لمدينة جنيف وكان متشدداً في تنفيذ الأحكام علي الخارجين عن الكنيسة لدرجة تصل للإعدام والنفي وهو ما لا يناسب روح العصر. وأضاف القس «ثروت قادس» منظم الاحتفالية: إننا مازلنا نحتاج لفكر كالفن ودراسته وفهمه وخاصة فيما يتعلق بفكرته حول الكنيسة غير المنظورة التي تكون متعددة الثقافات ولكنها كنيسة واحدة، ولذلك فإننا في مصر نحتاج لإعادة التفكير وخاصة فيما يتعلق بقبول الآخر والحوار معه، أما داخل الكنيسة المشيخية فنحن في أشد الحاجة لتنظيمه في إدارة الكنيسة وأن يتكون مجلس الكنيسة من الرعاة والمعلمين والشيوخ والشمامسة، مع ضرورة تعاون القسوس معهم متسائلاً: هل هذا ما يحدث الآن وهل توجد علاقة حقيقية بين مجلس الكنيسة والقسوس لتحقيق النجاح الروحي. بينما حقق القس إكرام لمعي عشرة دروس كالفينية لعالمنا المعاصر، أولها أن النزعة الإنسانية لا تتعارض اطلاقاً مع النزعة الروحية وعدم امساك العصا من المنتصف وهو درس تحتاجه كنائسنا بشدة وخاصة فيما يتعلق بالصور والتماثيل وشفاعة وظهور القديسين، كما أننا بحاجة إلي الترنيم الشعبي والذي يعتبر أثمن الابتكارات التي أدخلها كالفن والاهتمام بلاهوت الإصلاح في الكنيسة في وسط الشعب والدفاع عن هذا الإصلاح بفهم ومنطق صحيح، كما أوضح كالفن أن أساس علم اللاهوت عند كالفن يكمن في معرفة الله والإنسان فالله يعلمنا بالكلمة ويؤيد بالأسرار وينير بالروح القدس متسائلا: كم داعياً في مصر يقدم هذا الفكر؟ وأخيراً فكرة الخلاص بالإيمان وحده وهو الذي يعطي صلاحية للأعمال، مع التشديد علي أن الإيمان يقوم علي المعرفة واستبعاد المعرفة والفهم منه يجعله نوعا من الخرافة والغيبية المرفوضة. انتقد «لمعي» مطالب البعض بالعودة إلي الكنيسة الأم «الأرثوذكسية» وتلقيب الكنيسة الإنجيلية «بالشقيقة» موضحاً أن الكنيسة الإنجيلية من أمهات الكنائس ولديها منطق كتابي مصلح، كما تناول التشويه الذي حدث لهوية الكنيسة المشيخية من الثقافات المختلفة الموجودة بمصر مطالباً إياها بالعودة إلي الهوية المصرية المصلحة ذات العقيدة المشيخية. وأشار القس «محسن منير» رئيس السنودس الإنجيلي إلي أن الإصلاح والتجديد لا يتوقفان مادامت الحياة لا تتوقف كما أن الكنيسة الآن غير تلك الموجودة أيام كالفن منذ 500 عام ولذلك نحن الآن في حاجة إلي حوار مسكوني ووحدة حقيقية يجتمع فيها الكل لدراسة كلمة الله دون أن يكون الهدف هو كسب الآخر أو تهميشه وتكفيره. كواليس الاحتفالية - طالب الحاضرون بالاحتفالية بترجمة كل كتب «كالفن» للغة العربية وإتاحتها للإنجيليين. - لم يكن عدد الحضور يناسب حجم الاحتفالية التي تم الإعلان عنها أكثر من مرة بمجلة الهدي الإنجيلية. - أثار بعض القساوسة الذين حضروا السيمنار العلمي مشاكل الكنيسة الإنجيلية في مصر مع الأرثوذكسية، وابدوا شعورهم بالإهانة من الطرف الآخر. - في حين كان كالفن يشدد علي عدم وجود صور بالكنائس الإنجيلية كانت هناك العديد من الصور المنقوشة علي زجاج نوافذ الكنيسة الإنجيلية بمصر الجديدة لحياة السيد المسيح.