حتي بداية السبعينيات من القرن الماضي، لم يكن أحد يعرف هل من يجلس بجواره، أو يسكن أمامه في المنزل مسيحي أو مسلم؟ إلا إذا كان اسمه يدل علي ديانته دليلا واضحا، حيث كانت معظم الأسماء مشتركة.. ومع بداية حقبة زمنية جديدة عرفت باسم «الإسلام» القادم من بلاد النفط، وقيام ما أطلقت علي نفسها الثورة الإسلامية في إيران، وبداية الزحف الشيعي نحو المنطقة.. هنا بدأت تظهر نغمة شاذة صاحبها أسلوب جديد في الحياة العامة والخاصة امتدت إلي المأكل والملبس وغيرهما.. فبدأنا نسأل بعضنا البعض: أنت مسلم أم مسيحي؟ وبدأنا في الانعزالية فهذا مجتمع مسيحي، وذلك مسلم، وبدأت السلفية تأخذ موقعها علي الخريطة المصرية، في التعليم والثقافة والاقتصاد والسياسة، وصولا للحياة الخاصة، وسمعنا الرئيس الراحل أنور السادات يردد كلمته الشهيرة: «أنا مسلم ورئيس لدولة مسلمة»، فأصبح للدولة دين هو دين الأغلبية، وبالتالي سار الجميع خلف قيادته، وبدأت تظهر الصحف والمجلات الدينية، وبدأت وسائل الإعلام المختلفة في ذلك الوقت في تأكيد نفس المقولة، وهكذا ظهرت الجماعات الدينية، وظهر الإرهاب المتخفي خلف الدين، والذي جنت مصر من ورائه الكثير.. ومع التطور التكنولوجي وظهور الفضائيات والشبكة العنكبوتية للمعلومات، والتي جعلت من العالم قرية صغيرة، بدأت ظاهرة الإسلام القادم من الخليج تغزو كل منزل من خلال الفضائيات، وفي المقابل بدأت ظاهرة القنوات المسيحية، وبدأ التراشق فيما بينهما، كما بدأت نفس الفكرة من خلال المواقع الإلكترونية.. وما لبس أن انتقلت الظاهرة من الشرق إلي الغرب وبدأنا نردد الشرق المسلم والغرب المسيحي، وبالتالي بدأنا نسمع عن ظهور مشكلات تواجه المسلمين في الغرب لم نكن نسمع عنها من قبل، لا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ما تلاها من أحداث في بعض البلدان الأوروبية، فأصبح المسلم في نظر الأغلبية هناك يعني التطرف، وبدأت المجتمعات الإسلامية في الغرب تواجه المشكلات.. وبدأنا نسمع عن مصطلح الدولة الدينية، والدولة العلمانية، إضافة إلي مصطلحات المواطنة، والطائفية، الأغلبية، والأقلية.. كما بدأ الخلط بين ما هو مقدس، وما هو بشري، وبين المرجعية الدينية والمرجعية الدينية، وأصبح الدين هو كل شيء في الحياة، يفسره كل شخص بحسب أهوائه وميوله.. وهكذا استمر، وسيستمر ذلك المسلسل من سيئ إلي أسوأ. فلم تفلح القبلات والأحضان بين القيادات الدينية، ولن تفلح اللقاءات والمؤتمرات التي تجري داخل الغرف المغلقة، طالما هي في منأي عن رجل الشارع والدليل علي ذلك ما نراه من خلال ما يعرف بالبرامج الحوارية التي تحاول دراسة هذه المشكلة، أو من خلال ما يعرف بتعليقات القراء علي بعض المقالات التي تنشر علي المئات من المواقع الإلكترونية، كلها تؤكد أننا نسير في طريق لا يعرف نهايته إلا الله سبحانه وتعالي. فاليوم أصبحت مشاركة مسلم أو مسيحي لجاره أو زميله أو صديقه في مناسبة ما، شيئًا يستحق التقدير! فعلي سبيل المثال لا الحصر رصدت مجلة «روزاليوسف» في عددها الأخير حادثة اعتبرتها فريدة وهي مشاركة عازفين مسلمين في تقديم أوبريت عيد القيامة، وفي سياق الحديث نجد أن العازفين مجموعة من الشباب الأصدقاء الماهرين في العزف علي حد تعبير قائد الفريق، والذين أكدوا أنه لا توجد لديهم أي مشكلة في المشاركة في العرض لأنهم يحبون هذا النوع من الموسيقي. أيضا قرأت علي أحد المواقع خبرا يقول: تسبب القرار الذي اتخذه أحد المعاهد الثانوية بالعاصمة الاسبانية مدريد بمنع فتاة مسلمة من استكمال دراستها لارتدائها الحجاب في التزام أربع فتيات آخريات بالحجاب حيث تضامن بعض زملاء الطالبة نجوي ملهي التي قامت المدرسة بابعادها عن الدراسة بطريقتهم الخاصة، حيث قررت أربع طالبات مسلمات واسبان غير مسلمات في حركة جماعية بتغطية رءوسهن. وتعرضت الفتيات الأربع المسلمات لنفس مصير نجوي من عزل وتوجيه انذارات، وهكذا بعد أن كانت فتاة محجبة فقد صرن خمسًا. أيضا استمعت في الأسبوع الماضي لفضيلة الشيخ فرحات المنجي أحد علماء الأزهر، وهو يتحدث في أحد البرامج الفضائية قائلاً: لعن الله من يوقظ الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، والتي تقوم عليه حاليا من القنوات الفضائيات فضلا عن أئمة مساجد وقساوسة كنائس تورطوا أيضا في اشعال هذه الفتنة بصورة كبيرة بين الحين والآخر في أنحاء متفرقة بمصر، مضيفا أن هناك فضائيات وأئمة مساجد وقساوسة كنائس يشتركون في الإثم العظيم بزرع الفتنة، وذلك من خلال قيام أحد الشيوخ بتحريم السلام أو الأكل مع الأقباط أو العكس، أن يقوم أحد القساوسة بفعل ذلك الأمر. وأشار إلي أن الحل للحد من هذه الفتنة التي طالت مصر منذ 30 سنة، هو أن يقوم الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف باعطاء انذار للشيوخ الذين قد يتحدثون في هذا الأمر، وإذا قام أحد الشيوخ بفعل هذا الأمر تفرض عليه عقوبات قاسية، ونفس الأمر يطبق في الكنيسة حتي يكون هناك هدوء من الجانبين. في نفس الوقت نجد الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف يحذر أئمة المساجد من الحديث عن المسيحية أو المسحيين بأي شيء يخالف العقيدة الإسلامية، أيضا نجد مشكلة في احدي مدن محافظة بني سويف نتيجة اعتناق شاب مسيحي قاصر للإسلام، واعتداءات من جانب المحتجين علي رجال الشرطة، واصابات هنا وهناك. هذا قليل من كثير لفت نظري خلال الأسبوع الماضي، وهو الذي دفعني للسؤال: هل مازال الدين لله والوطن للجميع؟