دائماً ما نسأل: لماذا لا تتقدم المؤسسات الحكومية.. وفي الوقت نفسه تقوم الشركات الخاصة الصغيرة ببعض الخدمات التي تقوم بها أي وزارة بجودة أفضل وبتكلفة أقل..؟!. وتكون النتيجة في النهاية المزيد من الأرباح للشركات الخاصة في مقابل القليل منها للهيئات أو الشركات الحكومية. لقد اضطرتني الظروف خلال الفترة الماضية لأن أرسل بعض الأوراق لإحدي الدول العربية، وكنت أريد إرسالها بشكل فوري وسريع بغض النظر عن التكلفة.. فساعدني أحد الأصدقاء مبدياً رأيه في أن أقوم بالإرسال من خلال البريد السريع المصري لكونه قد أصبح متقدماً وأرخص ثمناً، واصطحبني لإرسال (الظرف) المذكور. فوجئت بالمسئول عن البريد السريع في أحد المراكز الرئيسية يرفض استلام الظرف لأن عنوان المرسل إليه هو صندوق بريد، وعندما استفسرت منه عن الأمر قال لي: هناك منشور صدر من رئاسة البريد تنص علي تعليمات بكتابة اسم الشارع علي البريد السريع، وإذا لم يتيسر يتم استخدام البريد المسجل الذي يستغرق ما يقرب من سبعة أيام. ولأني أحتاج إلي إرساله سريعاً.. اتصلت علي الفور من (موبايلي) بالمرسل إليه في الدولة العربية لكي لا أضيع الوقت. وأجابني بأن جميع مراسلات البريد السريع التي تأتيهم يكتب عليها اسم المؤسسة وصندوق البريد لأنه خاص بهم وحدهم.. وأن المكان المرسل إليه الظرف ليس به شوارع، ولكن الأسماء للمنطقة بأكملها. وعندما كتبت لمسئول البريد السريع اسم المنطقة قال لي أنه لن يستطيع استلامه وإرساله بدون اسم الشارع، وأن اسم المنطقة لا يكفي. وهو ما جعلني أعود لإحدي الشركات الخاصة التي استلمت (الظرف) وقد قدرت تكلفة الإرسال بالبريد السريع بنصف تكلفة البريد المصري تقريباً. ورغم خوفي من هذه الملابسات؛ فلقد تم وصول الرسالة في الموعد المقرر بدون أي تأخير. إن ما سبق، ليس مشكلة (روتين) أو مشكلة الموظف الذي أصر وتمسك بتنفيذ التعليمات الصادرة إليه لكي لا يتم تحويله إلي التحقيق والمساءلة؛ بل هي مشكلة عقليات لا تتفاعل مع تطورات العصر ولا تبذل أي مجهود في تطوير عملها علي اعتبار أنه عمل حكومي يضمن له راتبه الشهري في جميع الأحوال، وهو علي النقيض من الشركات الخاصة التي تزيد فيها مكافآت العاملين كلما استقطبوا عملاء جددا لشركتهم للبريد السريع. لماذا لا يقوم البريد المصري كل 6 شهور بعمل دراسة للسوق لكي يعدل من أسعاره ليدخل في منافسة حقيقية ستكون لصالحه في جميع الأحوال بسبب فروعه المنتشرة بجميع مناطق الجمهورية وإمكاناته الضخمة من وسائل نقل تجوب جميع الشوارع والمحافظات طيلة ساعات اليوم الواحد؟!. إن التغيير للأفضل لن يأتي فقط بتغيير تصميم مكاتب البريد وأسطول نقله؛ بل يأتي في الأساس من خلال تغيير نمط التعامل وتيسير الإجراءات و(تسهيل) تعامل المواطنين مع مكاتب البريد.. وهو ما من شأنه أن يزيد من أرباح البريد المصري ويسمح له بالمزيد من المنافسة والتطوير.