تناولت في المقالة السابقة قضية تصفية مصانع الغزل والنسيج وبيعها كأراضٍ لتسقيعها وأثر ذلك علي حقوق العمال وأسرهم وعلي الاقتصاد القومي، وكيف استغلت الرأسمالية التجارية الطفيلية عملية التحول إلي الاقتصاد الحرفي والقضاء علي الرأسمالية الصناعية والزراعية الوطنية في محاولة لتدميرها، وكيف أنها أصبحت كالسوس ينخر في عظام الاقتصاد القومي المصري، وكيف أنها فتحت الأسواق علي مصراعيها للسلع الأجنبية الرديئة والمغشوشة رخيصة الثمن ذات الآثار الضارة والمدمرة بقصد واحد هو الربح بأي وسيلة وبأي طريق دون الالتزام بأي معايير أخلاقية . واليوم نتناول باقي المشهد بعد أن اتصل بي صديقي وبلدياتي بعد نشر المقال السابق يعاتبني وبشدة بعد صدور تصريحات رئيس الوزراء بمنع بيع أصول الشركات المملوكة للدولة واستخدامها في أغراض أخري سواء خدمية أو عقارية وقال لي مبسوط؟ قلت له علي الفور: جدا، فرد: أنت وقفت حالنا، فقلت له دون تردد: المهم حال البلد والمواطن لكن أنت ليه بتتكلم بصيغة الجمع؟ فرد بلدياتي: العمليات الكبيرة لايقوم بها شخص واحد فيه ناس تانية بتسلك المسائل بس أنا اللي في الصورة، وإذ به يقول: أنا هاقولك كلام بس ماتردش إلا لما اخلص كلامي. وهذا الحديث أعرضه للقارئ في شكل مشاهد : الأول : القطن والغزل المصري غزل إيه اللي أنت بتتكلم عليه؟ هو فيه زراعة قطن أصلا والبذرة طويلة التيلة اللي مشهورة بها مصر مش موجودة . شوف شارع الأزهر ده كان سوق الجملة للأقمشة المصرية دلوقت بيبيع الاقمشة الصيني والتركي وجنبه حمام التلات أكبر سوق للبضاعة المهربة والمحروقة وشوف كام سلعة مكتوب عليها صنع في مصر. اللي موجود دلوقتي الغزل الصيني والهندي. البنك الدولي في خطته نادي بضرورة تصفية المشروعات الخاسرة والحكومة سمعت الكلام لأن مفيش ظاهر قدامها إلا مستثمر الشيبسي المضلع والمفلطح والبسكويت ومنظفات ست نظيفة ومصانع المياه البيضاء والملونة الي اسمها المياه الغازية والزبادي أنت مابتشوفش إعلانات التليفزيون هاتعرف إيه اللي ماشي في مصر . ثانيا : الهندسة الوراثية وسماسرة الغذاء الاستخدام الخاطئ للهندسة الوراثية أفسد كل شيء، الفلاح الطماع يستخدمها لتحقيق محصول الوفرة يعني بدل الأرض ما تخرج طنًا تخرج أربعة أطنان مش مهم الأرض تتعب ولا تطبل ولا الزرعة تخرج معطوبة وملوثة بالكيماوي المسرطن المهم وفرة المحصول والمال والتجار الحيتان اللي انت بتسميهم الرأسمالية التجارية الطفيلية هم اللي بيتحكموا في السياسة الزراعية والفلاح بيجري وراهم دول ممكن يشتروا كيلو الطماطم من الفلاح ب 10 قروش ويباع للمستهلك بجنيه وبجنيه ونصف عمرك شفت في أي مكان في العالم فيه سلعة تصل للمستهلك ب 10 اضعاف قيمتها الفرق ده كلة رايح لجيوب الوسطاء السماسرة واللي يتحمل ذلك المواطن واللي بيحصل في الخضار بيحصل في اللحمة والفراخ وفي كل السلع الغذائية . ثالثا : تحمل المواطن تكلفة الفساد يستكمل بلدياتي الحديث أي عربية محملة بضاعة من ساعة ما تخرج من المصنع او المزرعة او من مركب الصيد لغاية ما توصل مكان التفريغ تتكلف كام سواء من رسوم الوزن علي الطريق او الاكراميات الاخري يعني لو اعترضه في الطريق ناس معندهاش ضمير تعرف بيدفع كام؟ زمن البرايز الفضة انتهي احنا في زمن العملة الورقية الكبيرة، اقضي علي فساد الطريق تحمي الشريف وتعاقب المخالف وتحمي المواطن في النهاية لإنه في النهاية هو الذي يتحمل تكلفة الفساد. وينتقل بلدياتي لواقعة فساد اخري ويقول مستشهدا بطريق ميت غمر السنبلاوين الذي سرنا عليه معا وقال لي: إن رصف الطرق الآن هو (سبوبة) تفتح بيوت ناس كثيرة ، فنقص 1سم من سمك هذا الطريق بطوله وعرضه حتي السمبلاوين يساوي ملايين الجنيهات التي تدخل جيوب المقاولين وأعضاء المحليات وآخرين لا نعرفهم، وإنني أتذكر قولاً: بأن سبب تأخر الصعيد هو الطريق، هذا الطريق يا أستاذ بقي له 3 سنوات علي هذا الحال، والسواقين عملوا إضراب، وأيام الأمطار بتبقي وحل، الناس بتدفع رسوم وضرائب لتحسين الطرق، ولكن تعرف كم يتكلف صاحب السيارة نتيجة هذا الفساد؟ ببساطة شديدة عفشة العربية الفيات بلاش الميكروباص تتكلف 1000 جنيه ، والمفروض إن هي تعيش 3 سنوات لكن بسبب هذا الطريق عمرها الافتراضي لا يزيد علي 6 شهور.. من يدفع هذا الثمن؟ ده بالإضافة إلي الحوادث والأرواح التي تهدر بسبب هذا الطريق. أرواح الناس دي لا تقدر بمال والألف جنيه اللي صرفها علي العربية بسبب هذا الفساد ممكن يصرفها علي تحسين أوضاعه المعيشية، شوف كام واحد بيتحمل تكلفة فساد الطرق وبيدفعوا كام . ثالثا : سماسرة خردة الحديد والملابس في ظاهرة في مصر هي ظهور مجموعة يطلق عليها قبيلة (عبد الغفور البرعي) فهي تبيع الخردة أو ما يطلق عليها أيضاً (قطع غيار السيارات الاستيراد) وهي نفايات سيارات الدول الغربية أو السيارات المصرية التي يقوم بشرائها سائقو النقل والميكروباص والاجرة بأسعار رخيصة ومش مهم إيه اللي يحصل بعد كده علشان ارتفاع اسعار قطع غيار السيارات وهي الاخري ليس عليها رقابة والتجار اللي معندهمش ضمير بيروجوا للبضاعة اللي بتتصنع تحت بير السلم المصنعة في الصين ومصر. وانتوا عندكم في مصر أحياء بتبيع مثل هذه الأشياء مثل ( عزبة شنودة ووكالة البلح ) وهي اتحولت الآن إلي بيع خردة الملابس وهي خردة الذهب، يستوردوا بالات الملابس القديمة برخص التراب، ممكن تقف القطعة في البالة بمبلغ 50 قرشًا، ويتم بيعها بعد فرزها بمبلغ 10 جنيهات أو حتي 50 جنيهًا، وتباع في ارقي المناطق بعد تبخيرها علي أنها ملابس جديدة، يعني سماسرة التجارة دي مضربوش صناعة الملابس المصرية وأجبروا المصانع علي تسريح العمال وإلا كله بينفع بعضه وجسد المصريين يتحمل الحجر. كمان إنت عارف أن مباحث التموين ضبطت صفقة شباشب صيني تصيب المواطن بالسرطان أنت عارف يا أستاذ إن الصينيين بيستوردوا المخلفات الصلبة من كل انحاء العالم حتي من منشية ناصر وتقوم بإعادة تدويرها وتصديرها الي دول العالم النامي ومنها مصر لانها متقدرش تعمل كدة مع الأوربيين او امريكا. والسمسار بيكسب في التصدير والاستيراد مش مهم عنده إيه النتيجة، المهم يكسب ويربح بلاحدود والفهلوة لا تعرف الضمير . رابعا : سماسرة النفايات الإلكترونية محلات كمبيوتر بتبيع شاشات وأجهزة ومستلزمات استيراد الخارج، أظن هاتقولي دي نفايات إلكترونية. قال عندكوا في مصر وفي أرقي المناطق (مصر الجديدة والمهندسين ) مولات كاملة بتبيع النفايات الإلكترونية تحت مسمي استعمال الخارج ،احنا اتجولنا الي مكان دفن النفايات الالكترونية من جميع انحاء العالم وسماسرة هذة التجارة ليس لديهم رحمة لانهم عارفين خطورة هذة النفايات علي صحة الانسان المصري وكمان الحكومة ورئيس الوزراء استاذ اتصالات وعارف خطورتها والسودان منعت استيرادها وومش عارف الحكومة سيباها ليه؟ فأخطارها تقترب من أخطار النفايات الذرية . خامسا : سماسرة الموبايلات والاتصالات المحلات بتبيع الموبيلات الصيني، وإنت طبعاً زعلان من انتشار المنتجات الصينية علي حساب المنتجات المصرية، فيه 4 ملايين جهاز في البلد يا أستاذ غير مطابق للمواصفات إزاي دخلت البلد وإزاي وصلت لحد هنا؟ وفي الأساس كيف خرجت هذه السلع المغشوشة من الصين؟ وكيف استطاع هؤلاء السماسرة امتصاص ثمنها من جيوب الفقراء؟ وبالمناسبة شركات الاتصالات كسبت كام من المصريين من ساعة ما دخلت خدمة المحمول مصر؟ عشرات أو مئات المليارت. طب هي استثمرت كام منهم في مصر من عائد أرباحها؟ وصدرت كام للخارج ؟ سادسا : سماسرة الأغذية الفاسدة دول بقي حكاية ومافيا زي تجار المخدرات لأنها تجارة موت بيعملوا دراسات للبحث والتنقيب عن هذه السلع في كل انحاء العالم لجمع السلع التي تقترب فترة انتهاء صلاحياتها لتقوم باستيرادها عن طريق وسطاء قادرين علي تغيير البيانات الخاصة بالصلاحية ، أو تغيير بلد المنشأ. إذا كانت الأغذية قادمة من بلاد موبوءة والطعم الذي يلتقطه المصريون دائما هو رخص الأسعار بالمقارنة بمثيلتها من المنتجات المصرية وهنا تتلاقي مصالح تجار الموت مع مصالح جشع سماسرة السلع الغذائية المصرية. وأنا مش عارف الناس اللي بتسمح بدخول هذه السلع إما عن طريق الإهمال أو العمد ازاي بتعرف تنام لأن أولادهم أو اخواتهم ممكن يموتوا منها . ليه احنا بنعلق الامراض علي شماعة المياة الملوثة فقط فالأغدية الفاسدة لها دور في انتشار فيروس سي والفشل الكلوي والسرطان وفي النهاية الدولة ملزمة بعلاج هؤلاء المرضي أي أن الدولة والمواطن يتحملان تكلفة فساد تجار الموت . وإذا كان الحديث قد تناول أمورًا أخري لا يتسع المقال لذكرها إلا أنه تناول إشارة الي ظاهرة إلي أن الفاسدين في السوق يسعون في البداية الي احتكار السوق والي اكتناز الثروة وتصديرها الي الخارج والدليل علي ذلك ان كل اللي هربوا خارج مصر يعيشون في الخارج حياة كلها رفاهية فالفاسد لايعطي لوطنه او مواطنيه إلا الفتات . وقد طرح الحديث عدة أسئلة مهمة: ما هو الفرق بين شخص بيجلب مخدرات وشخص بيجلب بضاعة أو أغذية اونفايات او سلع مسرطنة تضر بصحة المواطن المصري ؟ ورغم ان الاثنين بيستهدفوا صحة وحياة المواطن المصري ولماذا نطالب بإعدام الاول والثاني يدفع غرامة ؟ لماذا لا تقوم الحكومة بعمل احصائية عن تكلفة الفساد وأثره علي الاقتصاد المصري طوال فترة ولايتها؟ وماهي تكلفة القضاء عليه؟ وما هي البرامج العملية للقضاء عليه فعليا؟ إننا نريد ان نعلم هل التجار الذين افلسوا والمشروعات التي خرجت من السوق أو تمت تصفيتها خرجت أو افلست طبقا لقانون السوق؟ أم طبقا لقانون المفسدين؟ وقلت لبلدياتي إن إجابة هذه الأسئلة لدي الحكومة وليس لها إجابة عندي فرد علي لما تلاقي عليها إجابة كلمني .