أجد صعوبة شديدة في الكتابة عن الإبداع.. ليس فقط لكوني لا أصنف ضمن جماعة النقاد، بل لأنني أعتقد أن الإبداع حالة شخصية لا يمكن الحكم عليه ببساطة وسهولة من وجهة نظر النقد سواء كان سلبياً أو إيجابياً.. فالإبداع الحقيقي لا يمكن التعامل معه بالاستخفاف الذي ألحظه هذه الأيام من البعض من النقاد الذين يعتمدون منهج الاختزال للأعمال الإبداعية بالاستهانة بها أو بنقدها لدرجة نفي صفة الإبداع عنها. مؤخراً شاهدت فيلم (عزيز.. لكلاً منا انتظار..) وهو سيناريو وحوار وإخراج المبدع شريف وهبة، ومن بطولة الفنان القدير أحمد بدير والفنانة القديرة عايدة رياض، وشباب الفنانين: بهجت عدلي ومحمد يونس ومي القاضي. يناقش الفيلم قضية مهمة، وهي قضية أن لكل منا عزيزاً ينتظره، فنجد عم عزيز (أحمد بدير) ينتظر جواباً من أصحابه الذين عمل معهم في الكويت، ومن الشيخ راشد صديقه، ومن الحكومة، ومن ابنه الذي اقترب عمره من 25 سنة ولم يره منذ 22 سنة. ونجد أيضاً أم علي (عايدة رياض) التي تنتظر زوجها الذي يعمل في المعمار يومياً. كما تنتظر نسمة (مي القاضي) رسالة من والدها الذي يعمل في ليبيا. وصل الأمر بعم عزيز أنه يقوم بكتابة رسائل لنفسه من كل من يحبهم ويشتاق إليهم وينتظر منهم خطاباً وكأنهم هم الذين كتبوه وأرسلوه.. حتي إنه كتب لنفسه رسالة من الحكومة التي أرسلت لأم علي (عايدة رياض) ولم ترسل له. الطريف في أمر عم عزيز أنه يجد مبرراً لطيفاً لكل من ينتظر منه جوابا.. لكي ينتظر للغد ربما يأتي الجواب.. للدرجة التي جعلته يبرر لابنه عدم مراسلته بأنه قد نسي. مرت الأيام وظل عم عزيز علي هذا الحال، وعندما وصل الجواب بالفعل.. كان عم عزيز قد رحل.. رحل عن غرفته التي عاش فيها سنوات عديدة ينتظر وصول الرسالة.. وعلي حد تعبير أحد أبطال الفيلم (مشي خلاص.. مبقاش مستني).. وعلي مشاهد الفيلم أن يحدد أسباب رحيله طبقاً لواقع خبرته الشخصية. الملاحظ في الفيلم رغم أنه لم يتعد 25 دقيقة أن الفنان القدير أحمد بدير قد تألق فيه من خلال تجسيده لتلك الحالة من الانتظار.. انتظار العزيز.. الصديق.. المستقبل. إنها حالة الإنسان المصري هذه الأيام. تحية تقدير.. للقائمين علي الفيلم من شباب المبدعين: شريف وهبة (المخرج) ورامي سمير (مساعد المخرج) ووائل يوسف (مدير التصوير)، وتحية خاصة لمن قام باختيار المقاطع الموسيقية للفيلم من المختارات العالمية. (لعزيز.. لكلاً منا انتظار..) عن الرسالة للكاتب البولندي مارك هواسكو. تري، من هو العزيز في حياة كل منا؟! وهل ننتظر قدومه.. لأنه لم يحضر بالفعل.. أم لأنه حضر ولم ننتبه لحضوره وتواجده؟!