هربوا من الموت.. لكنهم وجدوا أنفسهم خلف أسوار السجون.. أجبرتهم الأمواج العاتية والرياح الشديدة علي الهروب من خليج مالطا والدخول في المياه الإقليمية الليبية.. فقامت السلطات الليبية بالقبض عليهم وإحالتهم للمحاكمة.. ليتركوا وراءهم عشرات الأسر مهددة بالتشرد.. هم طاقم مركب «شبانة» المكون من 14 صياداً الذين احتجزتهم السلطات الليبية بداية مارس الماضي وحكمت عليهم محكمة ليبية نهاية الشهر، «روزاليوسف» زارت بيوت أهالي الصيادين ورصدت معاناتهم بدون عائليهم. تزامن ذلك مع نجاح الخارجية المصرية في إعادة 4 من الصيادين الأطفال الذين احتجزوا مع مركبي الحاج مندور ، والأميرة أماني وعن معاناتهم يقول: إبراهيم محمد الشوكي 64 عاماً من برج مغيزل مطوبس كفر الشيخ أحد الذين لحقهم ضرر مباشر من الحكم الذي أصدرته إحدي المحاكم الليبية بحبس نجله «إبراهيم» القاصر لمدة شهرين وتغريمه 660 ديناراً ليبيا.. وقال: خرج ابنه مع طاقم مركب شبانة للصيد في 17 فبراير الماضي وكنت أطمئن علي أخباره من خلال التليفونات المحمولة وصاحب المركب وبعد 15 يوماً من إبحار الصيادين فوجئوا بنوة شديدة وهياج للبحر مما اضطرهم إلي الاقتراب من المياه الإقليمية الليبية ورغم أنهم كانوا في الممر الدولي علي مسافة 65 ميلاً من الشواطئ الليبية إلا أن قوات البحرية الليبية اعترضتهم واقتادتهم إلي ميناء رأس لانوف. ويضيف الأب المكلوم بمرارة: ابني من بين 14 صياداً آخرين حكم عليهم بالسجن لفترات تتراوح بين شهرين و6 شهور وغرامة تتراوح بين 660 وألفي دينار ليبي علي حسب أعمارهم لأن بينهم 5 أطفال تتراوح أعمارهم بين 14 و 16 عاماً. الحاجة هدية حسن 60 سنة والدة الصياد حسن عيد فتح الله 21 سنة الذي ينفق علي أسرته بالكامل والمكونة من 6 أفراد لأن والده عاجز عن العمل بسبب إعاقة في يده تقول: ترك حسن دراسته للعمل في البحر وتحمل المسئولية مبكراً منذ 10 سنوات وقبل المشكلة الأخيرة كان قد انقطع عن الصيد لمدة عام ونصف العام وعندما قرر العودة إليه مرة أخري تم القبض عليه وسجنه في دولة أخري ولا أعلم عنه شيئا. أمنية عوض السيد تربطها صلة قرابة بأربعة من الصيادين الذين حكم عليهم بالسجن في ليبيا والصيادون هم ابنها وحفيدها لبنتها وولدا شقيقها وشقيقتها تشير إلي أن ابنها إبراهيم أحمد الشامي 30 عاماً هو ريس مركب شبانة ترك التعليم للعمل بالصيد منذ 20 عاماً وهو عائل أسرته المكونة من 8 أفراد بعد وفاة والده وهذه أول مرة يتعرض فيها للسجن ولم يختلف الحال كثيرا لدي باقي أهالي المحبوسين فبالرغم من أن باسم إبراهيم الشامي 14 عاماً وأحمد عوض السيد 15 عاماً تركا الدراسة للعمل بالصيد ومساعدة أسرتيهما في تكاليف المعيشة كما يفعل أقرانهما من باقي أطفال وشباب الصيادين، ومع أن إبراهيم يعاني من مشاكل في النطق وصعوبة في التحدث فإن هذه هي المرة الأولي لخروجه مع مراكب الصيد لأنه قرر الإنفاق علي والده المسن المريض بالكبد ووالدته التي تبكي ليل نهار لما أصابه من مكروه.. أما أحمد عوض فترك دراسته في الصف الثاني من المرحلة الإعدادية وتحمل المسئولية مع والده الصياد باليومية لسداد ديونها لدي المحلات والسوبر ماركت والأهالي علي حد تعبيرها. قابلنا سعيد شبانة -62 سنة- صاحب مركب «شبانة» الذي احتجزته السلطات الليبية أواخر مارس الماضي، يوضح أنه يمتلك مركب شبانة منذ 12 عاما ووضع فيه جميع مدخراته، حيث اقترض ما يزيد علي نصف مليون جنيه من بنك التنمية والائتمان الزراعي ومن تجار الأسماك وغيرهم وأصبح مهددا بالسجن بموجب إيصالات الأمانة التي وقعها علي نفسه للحصول علي تلك الأموال خاصة أن أهالي طاقم الصيادين الذين حكم عليهم بالسجن حملوه وحده المسئولية ويطلبون منه الأموال لتوفير احتياجاتهم لحين عودة أولادهم واضطر للاقتراض لدفعها لهم. ويحكي شبانة: كانت المركب في خليج مالطا بين جزيرة مالطا والمياه الإقليمية الليبية في منطقة مسموح بالصيد فيها لجميع الجنسيات وترفع كل سفينة علم دولتها، وأثناء عودة المركب وطاقمه علي مسافة 65 ميلا من الساحل الليبي في منطقة غير صالحة للصيد من الأساس حيث لا أعماق لها هاجمتها لنشات السواحل الليبية مع مركب صيد آخر كان معه واسمه «بسمة» وتم اصطحابهما إلي منطقة «رأس لانوف»، وهو نفس الأمر الذي تكرر مع مركبي صيد آخرين هما «الحاج سليم» و«الأميرة مني» وتم احتجازهما في بني غازي.. وأكد وجود جهاز «GPS» يحدد الموقع الذي يوجد فيه المركب، مشددا علي أن الجهاز مسجل عليه عدم اختراق المياه الإقليمية الليبية وقت التحفظ علي المركب. وأوضح أن باقي مراكب الصيد المحتجزة تحددت لها مواعيد جلسات المحاكمة تباعا خلال الأيام والأسابيع المقبلة وأن جميعها معرض للمصادرة والسجن للصيادين الموجودين عليها. السفير علي ماريا -سفير ليبيا بالقاهرة- قال إن الحكم علي الصيادين والمركب خلال 25 يوما هو شأن ليبي يتعلق بالمحاكم والقوانين وأنها إجراءات دولة، مشيرًا إلي أن ليبيا ليست دولة قرصنة لتسيطر علي صيادين مساكين يعملون في أعالي البحار ثم تصطحبهم إلي مياهها الإقليمية وتتهمهم زورا، فهذه سيادة دولة ويجب إخضاعهم للقوانين ومن حق المقبوض عليهم تفويض محامين للدفاع عنهم ولم يمنعهم أحد من ذلك.. وقال: لو كانوا صادقين في عدم مخالفتهم عليهم أن يوضحوا هذا أمام القضاء الليبي ويثبتوا ذلك فنحن لم نكن معهم وقت القبض عليهم. من جهته أبدي السفير محمد عبدالحكم - مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية- استياءه الشديد من مخالفة المراكب المحتجزة في ليبيا للقوانين الدولية واختراقها المياه الإقليمية الليبية دون إذن، وقال إن القانون هو القانون ومالا تقبله مصر لا تقبله أي دولة أخري محملا أصحاب المراكب المسئولية كاملة.