في زمن قديم جداً، وعلي الأرض التي نسميها الآن ساحة الصراع العربي الإسرائيلي، كان يوجد طول الوقت الصراع العبراني الكنعاني، وطبقا للتوراة أحب شاب كنعاني فتاة عبرانية، وكعادة كل القبائل القديمة وربما المعاصرة أيضا، كان من المحرم أن تتزوج فتاة من خارج القبيلة.. كان شيخ القبيلة العبرانية هو يعقوب الملقب بإسرائيل، وفي لحظة حكمة نادرة في التاريخ، زاره شيخ القبيلة الكنعانية ليطلب منه يد الفتاة، وقال له: لست أري سبباً يمنعنا من الزواج منكم كما لا أري سبباً يمنعكم من الزواج منا.. الأرض واسعة.. والمياه وفيرة.. وخير ربنا كتير.. نستطيع أن نتزوج من بعضنا البعض وبذلك يتأكد السلام بيننا.. ماذا تقول في ذلك؟ طلب يعقوب من شيخ القبيلة الكنعانية أن يمهله بعض الوقت لكي يستشير أفراد قبيلته في هذا المشروع الذي بالتأكيد سينهي العداوة بينهم علي نحو قاطع.. كان من المستحيل علي يعقوب أن يتخذ بمفرده قرارا علي هذه الدرجة من الخطورة والأهمية.. لذلك جمع رءوس القبيلة أو لعله جمع أفراد القبيلة جميعاً وطرح عليهم المشروع، من الواضح أنه كان هو شخصياً موافقاً علي أن تتزاوج القبيلتان، وأنه يري أن هذا التزاوج سيكون سبيلاً لرفاهية القبيلتين، وكما يحدث في كل الاجتماعات التي تتناول الشأن العام ظهرت جبهة معارضة قوية وكانت لها أسبابها المقنعة، أما أخطر هذه الأسباب وأكثرها أهمية فهو أن الكنعانيين لا يعرفون عادة الختان.. فكيف نزوج فتياتنا لشبابهم الذي لم يتختن؟ كيف نتنازل عن مقدساتنا وعاداتنا التي هي صلب عقيدتنا؟ وبحكمة شيوخ القبائل كان يعقوب يدرك أن الأسباب التي تمنع هذا المشروع تتخطي هذا السبب، وأن ما يمنعهم من الموافقة علي هذا المشروع هو الكراهية وليس عادة الختان.. ومع ذلك قابل الشيخ الكنعاني وأبلغه بنتيجة مشاوراته مع حكماء قبيلته: أنا آسف يا عزيزي.. نحن مختلفان.. فنحن نقدس الختان ونعتبره طهارة بينما أنتم لا تفعلون.. هكذا تري أن ما يفرقنا أكبر بكثير مما يجمع بيننا.. هل أنتم علي استعداد لممارسة عملية الختان.. بمعني أدق.. هل رجال قبيلتكم جميعا علي استعداد لأن يتختنوا؟ عاد شيخ القبيلة الكنعاني إلي مضارب قبيلته وهو يشعر بالإحباط. غير أنه كان قد اتخذ قراره، إذا كان الختان شرطا لصنع السلام والرفاهية بين القبيلتين، فلا بأس.. عليه أن يقنع رجال قبيلته بذلك. لست أعرف علي وجه التحديد الوسيلة التي لجأ إليها ذلك الشيخ الكنعاني لإقناع رجال قبيلته بإجراء هذه العملية الجراحية المؤلمة، غير أنه نجح بالفعل في إقناعهم، كل الذكور من كل الأعمار قاموا بإجراء العملية.. وفي اليوم الثالث من العملية عندما تكون الآلام علي أشدها، في ذلك اليوم الذي يعجز فيه الإنسان عن الحركة من شدة الألم، تسلل عدد من الشبان العبرانيين وهجموا عليهم فقتلوهم جميعا بغير مقاومة.. انتصرت الكراهية والخبث علي حسن النوايا عند الشيخين المسئولين عن القبيلتين بعد أن قام هؤلاء الشبان غير المسئولين وغير الملتزمين بانتهاك قرار شيخهم مما أفسد كل مشاريع السلام بين الطرفين. شعر يعقوب بالعار لعجزه عن فرض القرار الذي اتخذه لصالح قبيلته والقبيلة الجارة ولصالح الحياة والمستقبل فلم يكن أمامه إلا أن يغادر المكان هو وأفراد قبيلته ليقيم في أرض أخري بعيدا عما يذكره بهذه الفعلة التي نالت من سمعته وسمعة قبيلته.. لم يتزوج الشاب الكنعاني من الفتاة التي أحبها ، ولم يحدث السلام بين القبيلتين والشيء الوحيد الذي بقي نشطا وفاعلاً علي الأرض هو الكراهية والرغبة الحارقة في الثأر.