تفاعلات ومفاجآت وتطورات متتالية علي مدار الساعة بساحة السياسة السودانية وسط تعقيدات داخلية بين فرقاء الداخل جراء الانتخابات العامة متعددة المستويات المقرر إجراؤها الأحد المقبل، والتي من المقرر أن ترسم بشكل كبير مستقبل الأوضاع في ذلك البلد الملئ الثقافات والديانات والايديولوجيات. كل هذه الأوضاع بدون شك لها تأثير مباشر علي المصالح المصرية في الجنوب بحكم الشراكة التاريخية بين البلدين والتي تجعل من السودان بوابة مصر الجنوبية علي أفريقيا، كما أن تداعيات المعركة الحالية والتي قد ينتج عنها انفصال الجنوب بعد استفتاء تقرير المصير المقرر في يناير المقبل من شأنه أن يرسم تحديا كبيرًا أمام قضية الأمن المائي الخاصة بتأمين مسار مياه النيل من دول المنبع في الجنوب إلي الدلتا، بجانب التهديد الذي قد ينتج عن الحركات المسلحة كثيرة العدد والانتشار علي الحدود المصرية. علامات الاستفهام التي تفرضها تعقيدات الانتخابات علي مستقبل السودان ووحدته هي أيضًا محل تهديد لمصر، ومن هنا يجب دراسة تأثير السيناريوهات المطروحة سياسيًا وانتخابيًا في السودان مع الوضع في الاعتبار العمق التاريخي الذي يجمع بين الدولتين، وأكد السفير محمد الشاذلي سفير مصر السابق بالسودان أن ما يحدث الآن علي أرض السودان يمثل خطورة كبيرة علي مصر نتيجة عدم استقرار الوضع داخليًا وقال في حالة حدوث انفصال بين الشمال والجنوب قد ينتج عنه تدفق للاجئين علي غرار ما حدث قبل سنوات قليلة في ميدان مصطفي محمود. وأشار الشاذلي إلي أن هناك وضعا غير مبرر نتيجة رد الفعل العربي إزاء هذا الأمر، وهو وضع متخاذل، خاصة أن الجنوب أصبح علي وشك الانفصال، لافتًا إلي أن صدور قرار تقسيم فلسطين عام 1947 سمي وقتها بالنكسة بعد فقدها في حين أن هذه البقعة مساحتها 30 ألف متر مربع، مقابل أن مساحة الجنوب عبارة عن 300 ألف كم2 سيتم فقدها واقتطاعها من الأراضي العربية وهو ما يعد مثار تساؤل لماذا هذا التراخي العربي؟ وأوضح السفير الشاذلي أن هناك أضرارًا استراتيجية للانفصال عن كل دول الجوار. وأن ما يمكن تداركه الآن بالنسبة لمصر هو محاولة احتواء الأضرار الناجمة عن ذلك، والتأهب لمثل هذا الموقف، مشيرًا إلي أن مقاطعة القوي السودانية للانتخابات تمثل إخلالاً باتفاقية السلام. وفي المقابل اعتبر د.هاني رسلان رئيس وحدة دراسات حوض النيل بمركز الأهرام أنه لا توجد خطورة بشكل مباشر مما يحدث في السودان بمعني أن السودان لديه أزمة هيكلية في طبيعة التكوين وفشل الحكومات بجانب أزمة دارفور والجنوب والقبلية والصراعات السياسية المحتدمة كل هذه الأسباب أفرزت الوضع الحالي في السودان. وأشار رسلان إلي أن الانتخابات الحالية تتم في وقت بالغ الحساسية بالنسبة لبنية الدولة السودانية خاصة أن التراث الوطني للدولة سينقسم وهو ما سيفرز تغييرًا غير طبيعي، من شأنه أن يقصم ظهر الدولة، وبالتالي فإن تداعيات هذا الأمر خطيرة وغير محسوبة وغير خاضعة للسيطرة. وقال إن فكرة وضع نص يفيد بتحديد مدة للاستفتاء خلال 6 سنوات لعمل تقرير مصير للجنوبيين كان خطأ قاتلاً في صياغة اتفاقية السلام لأنه فجر عمق التكوين السوداني كله. وأبدي رسلان تخوفه من أن عدم استقرار السودان وانقسامه لدولة شمالية وأخري جنوبية قد يؤدي إلي عدم وحدة الدولة الشمالية نفسها أو أنها ستكون دولة غير مستقرة ومضطربة وبالتالي قد تحدث حروب وتطاحنات ينجم عنها تدفق جديد للاجئين، وقد يحدث تبادل للسلاح بين القوي السودانية وهو ما يمثل تهديدًا للبحر الأحمر وقناة السويس علي غرار ما يحدث من جانب القراصنة في الصومال، فضلاً عن كونه خللاً في التوازنات بالمنطقة، كما أنه سيزيد المشكلات الموجودة في مبادرة دول حوض النيل بعد زيادة الدولة رقم 11 وهي جنوب السودان وهي دولة غير معروفة التوجه وإن كانت أكثر ميلا لدول المنابع وليس لمصر والسودان، مطالبًا بضرورة توثيق العلاقات المصرية مع الدولتين الشمالية والجنوبية وعدم تركها لدولة كأسرائيل نظرًا لطبيعة مصالحنا هناك. ودعا رسلان إلي ضرورة تحالف المؤتمر الوطني مع عدد من القوي الشمالية بدلاً من مواجهة كل هذه الأزمات منفردًا.