تشير الأساطير الاغريقية إلي أنه كان يعيش في قبرص شاب وسيم يدعي بجماليون وكان هذا الشاب فنانا موهوباً في نحت التماثيل ولم يكن يصل لمستوي فنه وعبقريته أي إنسان آخر في زمنه، فكان ينحت التمثال من العاج أو الحجر فيبدو كأنه مخلوق حي من لحم ودم.. وعلي الرغم من كراهيته الشديدة للمرأة، فقد صنع لها أجمل تمثال.. لم يكن التمثال مجرد صورة عادية ولكنه كان آية في الجمال والروعة وكان تجسيدا لكل أوصاف الحسن والجمال.. ولكن هذا التمثال أصبح هم بجماليون الأكبر فكان يصنع بأصابعه الساحرة لمسات فنية جديدة يضيفها إليه في كل يوم حتي أصبح التمثال أروع تحفة فنية يمكن صناعتها. ولم يعد بجماليون يستطيع أن يجمل تمثاله أكثر من هذا الحد فقد أصبح أجمل من أي امرأة أو أي تمثال آخر فقال بجماليون مخاطبا تمثاله الجميل: كنت جميلة وأصبحت الآن أجمل، كنت رائعة وأصبحت الآن أروع.. ولكن بجماليون أصابه أمر لم يكن يخطر بباله فقد أحب تمثاله حبا شديداً.. وأصبح لا يقدر علي فراقه لحظة واحدة، يقضي معه ساعات الليل الطويلة يقبله ويدغدغ يديه ووجهه. كان يفعل كل ذلك وهو يتخيل أنه أمام امرأة حقيقية وليس تمثالاً، ولكنه كان عبثا يحاول أن يبعث الحياة في شيء ميت، وأدرك بجماليون أنه لن يستطيع الاستمرار في هذا الوهم ومنذ ذلك الحين تحول بجماليون إلي ضحية تستحق الرثاء والشفقة. وكانت «فينوس» ملكة الحب علي علم بما يحدث لبجماليون فلما وصل به الحال إلي هذه الدرجة القصوي من البؤس والقنوط رقت لحاله وقررت أن تساعده.. ولما رجع بجماليون إلي منزله وجد حبيبته منتصبة علي منصتها، فنظر إليها نظرة طويلة ملؤها الرجاء والأمل ثم أقبل عليها وأمسك يدها وضغط عليها بقوة.. لكنه تراجع بسرعة والدهشة تتملك جوارحه.. شعر بجماليون بحرارة غريبة تسري في جسده! هل استجابت فينوس وحدثت المعجزة؟! لم يصدق بجماليون نفسه في أول الأمر فما حدث كان يشبه الصدمة، ثم أقبل علي عذرائه مرة أخري فضمها إلي صدره وطوقته بذراعيها.. أما بقية الأسطورة فتقول: إن بجماليون أطلق علي عذرائه اسم «جالاتيا». غير أن جالاتيا بعد أن تحولت إلي واقع معاش، وإلي حقيقة قائمة لم تكن في مستوي جمال، ولا في درجة طهر التمثال.. لقد تحولت جالاتيا إلي مصدر تعب لبجماليون، صاحبها، وصانعها.. لقد بدأت مشاعرها في التحول إلي غيره، ولم تعد تعترف بفضله عليها، وبدأت تمارس عليه حصارا نفسيا وضغطا عاطفيا رهيبا.. وهنا كان علي بجماليون أن يتخذ قراره المصيري.. لقد قرر أن يتخلص من تمثاله، ومن صنيعة يديه.. لقد قرر أن يحيل تمثاله البشري إلي كومة من الأحجار مرة أخري، وأن «يهد المعبد علي أصحابه».. وهو ما دعا أحد أصحابه إلي القول «أرأيت الحماقة التي ارتكبها!.. ولكنهم هكذا دائما يحطمون الجمال الذي يصنعون.. ليعيدوا بناءه من جديد..» أسطورة بجماليون وجالاتيا.. قصة الصانع والباني الذي تتنكر له انجازاته وتتم نسبتها إلي غيره.. قصة الجحود البشري، وعدم الاعتراف بالجميل.. هذه الأسطورة تتكرر في المجتمع المصري سياسا، وفكرياً، واجتماعياً، بأشكال كثيرة، وبتفاصيل متكررة. .. وغداً إن شاء الله نكمل الحديث