غالبا تزيد عجائب الشارع المصري بكثير عن عجائب الدنيا السبع.. فهو شارع مذهل ومختلف وله طابع فريد. تحرر فيه مخالفة لقائد السيارة ولكن الكارو يسير بلا قيد أو شرط ويركن في الممنوع ولا (يكلبشه) أحد. وفيه يعاقب من لا يضع الحزام لأنه يعرض حياته للخطر، ولا يعاقب من يعرض عشرات الأرواح للخطر ويضعهم فوق سيارة النقل المفتوحة. وفي الشارع المصري أيضا يستعمل مكبر الصوت في كل المجالات دون أي مشكلة. فالمتسولون يستخدمونه لدعوة أهل الخير للإحسان لهم. ولا يهم طبعا إذا كان أهل الخير يستريحون في منازلهم ظانين أنهم آمنون، ولا أن يكون لأهل الخير طفل يحتاج الهدوء، أو كبير في السن يحتاج النوم. وأصحاب المحال التجارية يستخدمون مكبر الصوت أيضا، فهم يحتفلون بافتتاح محالهم ويدعون الأهل والأصدقاء لسهرة بديعة علي قارعة الشارع المصري المضياف ولا يحتاجون في تلك السهرة لا إلي قاعة يؤجرونها، ولا إلي (تصريح إزعاج) من السلطات المعنية. وكل ما يوفرونه هو (دي جي) وبضعة مقاعد للضيوف. وعلي سكان المنطقة ضبط النفس، والالتزام بسماع الأغاني (علي ذوق صاحب المحل)، والسهر (بالعافية) إلي أن يقرر أصحاب الحفل أن ينهوه!! والمشكلة هنا ليست في الإزعاج فحسب، بل في نوعية الأغاني التي لابد أن تسمعها، ويسمعها أولادك. وقد تتكرر واحدة عدة مرات فيرددها طفلك الصغير ويحفظها. كيف الحال إذا كانت تلك الأغنية التي أعجبت صاحب الحفل ويقوم بتكرارها من نوع أنت ترفضه تماما ولا تريد لأبنائك أن يستمعوا إليه؟ وكيف حالك وأنت تجدهم يرددون تلك الأغنية؟ هل يوجد شارع في العالم أفضل من هذا؟ كرم ضيافة، بهجة، سهر، حرية، بل وأيضا تحقيق العدالة الاجتماعية. فليس صاحب المحال التجارية أفضل من غيره.. وإذا كان هو يستطيع استخدام مكبرات الصوت، فإن البائع المتجول البسيط المسكين يستطيع هو الآخر أن يستخدم مكبر الصوت. وهو ليس محدودا بأماكن السوق، بل له الحرية التامة أن يجول ببضاعته من النباتات الطبيعية إلي البطاطين والسجاد إلي كل أنواع الخضار والفاكهة في أي شوارع يختارها. والأمر لا يتكلف كثيرا؛ هي سيارة نقل صغيرة عليها البضائع ومعهم البائع بمكبر الصوت (وتعالي بص واشتري). والعجيب أن القنوات الشرعية والأوراق الرسمية تفرض علي من سيقيم قاعة احتفالات أو أفراح مثلا أن يقوم بعمل الاحتياطات اللازمة لعدم ازعاج المنطقة المحيطة واقتصار الصوت داخل القاعة. وفي الوقت نفسه لا تقوم تلك السلطات نفسها بالاستجابة لشكاوي أهل المناطق التي يحدث فيها إزعاج عشوائي في الشارع من أناس لم يحصلوا علي تصاريح لإقامة تلك الاحتفالات واستخدام المكبرات. إن مسألة الإزعاج لا تقع في الشارع المصري علي أي موقع! فهي كلمة غير مألوفة، ولا معني لها في خضم الصخب العام من (كلاكسات) وازدحام ومكبرات صوت في كل مكان نهارا وليلا. وفي إطار عدم تفعيل أي قوانين خاصة بمعاقبة المزعجين، سيستمر هؤلاء في إزعاجهم للناس دون خوف ولا رادع.