عندنا في الشارع المصري عجائب تكاد تصل إلي مستوي العالمية وتضعنا في مقدمة الدول التي لاتقلد بل تبتكر.. ولا تسير تبعا للمألوف بل تضع نظما خاصة بها.. وتلك النظم عجيبة جداً جداً. ففي القرن الواحد والعشرين نحترم في بلدنا الحيوان احتراماً كبيراً وبخاصة علي قارعة الطرق والشوارع.. ولا تستطيع جمعية أو منظمة واحدة من المدافعين عن الحيوانات وحقوقها أن تتهمنا بغير ذلك.. وبالرغم من أن بعض حقوق الإنسان مايزال الحديث يدور حولها، والشكوك حول تفعيلها مازالت قائمة، إلا أن للحيوان في بلدنا مكانته. فكم ظهرت قوانين مرور ومرت.. وكم قاموا بتعديل تلك القوانين.. وكم نادوا بإلغاء المركبات القديمة والسيارات المتهالكة حفاظا علي البيئة (من التلوث).. وكم صالوا وجالوا حول (التوك توك).. أما (الحنطور) و(الكارو) فلم يأت ذكرهما في قانون، ولم يقترب منهما بشر، ولم تمتد إليهما يد بأي شكوي ولم يتحدث عنهما أحد بامتعاض.. فلا هما (يلوثان) البيئة، ولا يعوقان المرور، ولا يتعارضان مع أي شكل من أشكال الحضارة.. بل إن احترام الحيوانات التي تسوق تلك المركبات بلغ القمة لأنها مركبات فوق القانون.. فلا توجد لها رخصة ليسحبها أحد، ولا يمنعها القانون من الوقوف هنا أو هناك، ولا تصدر لها مخالفة.. بل ونزيد من افتخارنا بوجودها فيغني البعض لها.. ولا أقصد الأغاني القديمة، بل المعاصرة. أما العجيبة الثانية من عجائب شوارعنا المصرية فقد أدركتها في حوار بدا لي بسيطا في البداية.. وذلك عندما بادرني متسائلا: (هل يعاقب القانون من يعرض حياة الآخرين للخطر؟ أم من يستهين بأمنه الشخصي دون تعريض حياة أي شخص من المحيطين به لأي خطر؟) فأجبت بسرعة ودون تفكير في واقعنا الحقيقي: (بل يعاقبون الاول لانه يعرض حياة آخرين للخطر كما تقول.. أما الثاني فلا أعتقد أن القانون يوجب عقابه).. قال لي: (إجابة خاطئة.. القانون في بلدنا يعاقب من يعرض حياته للخطر لا من يعرض حياة الآخرين للخطر). وأكمل شارحا وجهة نظره قائلا: (القانون يعاقب من لا يضع حزام الامان وهو داخل سيارته.. وقد أوقفوني في كمين من كمائن المرور، وتحررت مخالفة ضدي علي الطريق لهذا السبب.. علي الرغم من شدة ازدحام الطريق، وبطء حركة السير فيه، وارتفاع درجة الحرارة إلي حد الاختناق.. وفي الوقت نفسه عبرت سيارة نصف نقل تحمل عشرات الرجال والسيدات، والصبية والبنات، وهم يهللون ويرقصون علي أنغام الطبول، ويغنون أغاني العرس، ومعهم أثاث العروس علي السيارة ذاتها.. ولم يوقفهم أحد ولا سئل السائق عن شيء.. ألا يعني هذا أنهم يعاقبون من لا يحمي نفسه، ويتركون من يعرض حياة الآخرين للخطر؟). قلت في نفسي: لابد أن هذه إحدي عجائب الطرق في مصر.. فإذا كنا نحترم الحيوان أكثر من الإنسان، ما المانع أن نعاقب من لايضع حزام الأمان، ونترك من يضع العشرات من الناس فوق السيارة النقل ليسقط منهم اثنان أو ثلاثة عند ملف أو وقفة فجائية.. إنها بعض عجائب الشارع المصري التي لاتنتهي.. وللعجائب بقية.