احتفلت لجنة الشعر في المجلس الأعلي للثقافة بمرور ستين عامًا علي رحيل الشعراء علي الجارم، وإبراهيم عبد القادر المازني، وعلي محمود طه، علي مدار ثلاثة أيام من خلال مؤتمر بحثي حمل عنوان"ربيع الشعراء"، تضمن العديد من الأبحاث حول أعمال الراحلين وقراءات لأشعارهم. شهد أول أيام المؤتمر هجوما عنيفا من جانب الدكتور أحمد الجارم الأستاذ المتفرغ بكلية الطب جامعة القاهرة ونجل الشاعر علي الجارم، علي كل من الناقد محمد مندور، والدكتور طه حسين، حيث وصف قول مندور عن الجارم وشوقي وحافظ أنهم" شعراء تقليد" وأنهم"يرقصون في السلاسل ويطرزون علي الأثواب الخلقة" بأنه قول مغرض، كما علق علي وصف "مندور" للجارم بأنه"ناظم وشاعر مناسبات وشاعر حرفة" بأنه "هزل"، كما أورد في كلمته ما ذكره الدكتور طه حسين في كتابه "حافظ وشوقي" قوله:"شعراؤنا جامدون في شعرهم لأنهم مرضي بشيء من الكسل العقلي بعيد الأثر في حياتهم الأدبية، فهم يزدرون العلم والعلماء ولا يكبرون إلا أنفسهم ولا يحفلون إلا بها وهم لذلك أشد الناس انصرافا عن القراءة والدرس، والبحث، والتفكير، وأصبح الشعر بفضل الشعراء وكسلهم العقلي فنا عرضيا لا يحفل به إلا للهو والزينة والزخرف، فإذا بنك مصر أن يفتتح بناءه الجديد طلب أراد إلي شوقي قصيدة، وإذا احتفلت دار العلوم بعيدها الخمسيني طلب إلي شوقي والجارم أن ينظما لها قصائد، فانحط الشعر". وأرجع الدكتور أحمد الجارم هجوم طه حسين علي أبيه وباقي شعراء تلك الفترة إلي أن طه حسين حاول أن يكون شاعرا في بدء حياته الأدبية وأنه نشر أشعارا كثيرة في الصحافة، وقال: أدرك طه حسين فشله في بلوغ هذه القامة فكف عن هذه المحاولة، وأحد أسباب استرساله في هذا الحديث عن الجارم وزملائه، أنه لم يكن يكتب بل كان يملي علي من يكتب. وهو المعني الذي أكد عليه الدكتور عبداللطيف عبد الحليم في دراسته "العالم الشعري لعلي الجارم" والتي ألقاها نجله أبو همام، بسبب مرضه، حيث وصف من تهجموا علي "الجارم" ورفاقه بأنهم أشباه نقاد يوجهون اتهامات جائرة لأمثال الجارم، بينما هم في حقيقة الأمر غير أمناء علي الفكر أو العقول التي منحها الله إياهم". من جانبه اعترض الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي بشدة علي الجملة الأخيرة في حديث أحمد الجارم، قائلا: لقد تحاملت علي مندور وطه حسين، وكل من كان له رأي متحفظ، أو سلبي تجاه شعر الجارم، وأنا نفسي لي موقف متحفظ تجاه بعض قصائده، كما أن لكل قارئ أو ناقد أن يتحفظ تجاه قصائدي، فالشعر ليس واحدا، وإنما هو كثير، هو عند الجارم وخصومه والعقاد وخصومه، واليوم نعيد الاعتبار لهؤلاء الشعراء الكبار، ولكننا أيضا لا نريد أن نظلم غيرهم، فلسنا هنا لنكرم الجارم ونهاجم الآخرين، وعلينا أن نترفع عن بعض الأوصاف التي لا تليق. وجدد عبد المعطي حجازي تأكيده علي أنه من أنصار التجديد، الذي لا يكون إلا بالعودة إلي الأصول والانطلاق منها، وقال: ليخرج الشباب عن التراث، ويصلوا لحقيقة الشعر، ولكن عبر الأصول، وقد خصصت اللجنة جائزة للقصيدة العمودية الموزونة، وفاز بها هو الشاعر الشاب محمد سالم عبادة، عن ديوانه "قداس أسود" وسوف يتم الاحتفال به مع الاحتفال بافتتاح بيت الشعر الذي أهداه فاروق حسني وزير الثقافة للجنة، وهو نفسه بيت "الست وسيلة" خلف الجامع الأزهر، وذلك خلال النصف الثاني من الشهر المقبل. وفي اليوم الثاني من الاحتفالية والذي خصص للشاعر إبراهيم عبد القادر المازني قدم الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف تحليلاً بنيويا لقصيدة "كأس النسيان"، أما الدكتور شفيع السيد فقدم شرحا لشعر المازني في ضوء آرائه النقدية، عبر ورقة بحثية. أما اليوم الثالث فقدم الشاعر فاروق شوشة دراسة بعنوان"شعر علي محمود طه بين ناقدين أنور المعداوي ونازك الملائكة"، وتحدث الدكتور محمود الربيعي عن شعر الراحل علي محمود طه بين مدرستين.