في عدة برامج تليفزيونية يصرخ الشباب. يقول أحدهم وهو في العشرينيات إنه يعاني ما يشبه أزمة منتصف العمر وأنه يفتقد الهدف، ولم يحقق ذاته. (رغم أنه يكتب الشعر وينشره في صحيفة معروفة)!. السبب أنه لا يجد الوظيفة. و إن وجدها لا يجد المسكن ولا العروس ولا نفقات الزواج.وشابة بجواره تكرر نفس الشكوي مخصوما منها المسكن باعتباره مسئولية الرجل عند الزواج ومن حق الزوجة عند الطلاق!. إذن علي الحكومة كما توفر للكل التعليم المجاني (المكلف جدا لكن الكل متمسك به) أن توفر للجميع رغيف الخبز والسكر والزيت والأرز بأرخص الأسعار وأن تعطيه وظيفة بأجر يكون عشرة أضعاف فاتورة محموله والمسكن الرخيص النظيف ليتولي هو توسيخه، ولم يبق إلا أن توفر له عروسة تقع في غرامه!. وهي مطالب الشباب منذ عقود. أما الجديد فإنه يطلب من الحكومة أن تحدد له هدفا وأن تساعده أن يحقق ذاته!. لقد تلقي الشاب تعليما لم يحفزه أبدا أن يلقي علي نفسه الأسئلة ويبحث بنفسه عن الإجابة. فيبحث عن عمل وليس وظيفة. عمل يحبه ويجيده ويمكن أن يطوره في المستقبل بشرط أن يفيد به الآخرين أيضا ليعطوه أجرا عليه. الشاب في مرحلة القوة والنشاط والإقدام والأمل والتعرف علي أهدافه والعمل علي تغيير الواقع من حوله كما يفعل الشباب في بلاد أخري نجده عندنا في حالة انتظار أن يأتي الفعل من خارجه. فتأخذ الحكومة التي هي أمنا بيده وتعلمه المشي من جديد. رغم أنها المرحلة التي يتمرد فيها الشاب علي الأم والأب والدنيا كلها ليحقق ذاته بطرق مبتكرة. مطلوب إذن أن تتدخل الحكومة لتحقيق ذات كل شاب علي أرض مصر فور تخرجه و إلا عاني أزمة منتصف العمر. وأن تخبره بأهدافه التي لا يعرف منها إلا أن يأكل ويشرب ويستوظف ويسكن ويتزوج وينجب المزيد من البنين والبنات الذي يعلم يقينا أنهم لن يعيشوا في تبات ونبات حتي لو تحقق له كل هذا. علي الأقل لأن إسرائيل مازالت تحتل فلسطين وحكومتنا لا تحاربها وتنقاد لأمريكا رغم أننا أقوي وأغني بدليل أننا نتظر من حكومتنا أن تفعل مالا تفعله الدول المتقدمة لشبابها. لا ينتبه هذا الشاب أو غيره أن أساتذته الذين توظفوا في الجامعة والحمد لله رب العالمين يشكون من مرتباتهم الضعيفة ولا يعرفون لهم أهدافا إلا بيع كتبهم للطلبة ولا يحققون ذواتهم في الإعلام ليصبحوا كلهم وزراء!. مضطر أن أكرر أنه منذ الخمسينيات فرض عبد الناصر علينا دستورا غير مكتوب ملخصه: تعليم الكل مجانا حتي الدكتوراه، وتوظيفهم بمجرد تخرجهم وعدم فصلهم إلا بلجنة ثلاثية. وتحرير فلسطين من دولة إسرائيل المزعومة وقيادة مصر للأمة العربية والإسلامية والأفريقية ودول عدم الانحياز الخ- ومقابل هذا علي الجميع أن يؤيده دون شرط والويل لمن يعارض سياسته ويعرقل خططه العظيمة لهذا الشعب الذي عليه أن يخرس كرد لجميله وهذا أضعف الإيمان. وكان له ما أراد فأيده البعض وخرس الكل طمعا في هذا الحلم الجميل أو خوفا من بطشه، والسكوت كما نعلم علامة الرضا.أما الدستور المعلن الذي استفتي البكم عليه فلا تعرف منه هل نحن دولة مدنية أم دينية؟ اشتراكية أم طعمية ؟ دكتاتورية أم ديمقراطية؟ فهو ليس شغلنا ولكنه عمل الزعيم. لا يزال البعض يهلل لهذه الفترة. يقول مش مهم الديمقراطية لكن كان فيه طعمية أو اشتراكية (والاثنان واحد) فالاشتراكي هو من يأكل الطعمية ويخرس ويذهب لتحرير اليمن وفلسطين وشعوب أفريقيا فيعود أو يروح في داهية. كانت شعارات الزعيم الخيالية مثل كل أفعاله الخرقاء. إذا صدقنا أن حالنا كان أفضل وأنه أعطي لمصر ما لا تعطيه أمريكا وأوروبا لشعوبها. فهل وعوده بهزيمة إسرائيل وعمل الوحدة وقيادة العالم لم تكن خيالية؟. نصف قرن وأكثر والناس مازالت تتمسك بأحلام لا سند لها من الواقع تعوقنا أن نعود إلي العالم المادي الحقيقي حيث العلم فقط لا الشعارات الخرافية. من وقتها والحكومات المتعاقبة مستمرة في الكذب علينا لأن هذا ما نطلبه منها!. تعطينا باليمين وتأخذ منا بالشمال.تعطينا تعليما وهميا مدمراً وثقافة ضحلة وإعلاماً كاذباً وتافهاً ووظائف وهمية - إن أعطت - مقابل قروش وبقية أجرنا دعما يزداد كل سنة بالمليارات (هي نفسها فلوسنا). وسنة بعد سنة يستشري الفساد والرشوة والبلطجة التي وضع بذورها عبد الناصر. الفرق أن الناس الآن لا تسكت بل تصرخ وتعارض. تطلب مضاعفة ميزانية التعليم والدعم لكل شيء ومرتب لكل مواطن يحدده هو لوظيفة مريحة تجعله لا يعمل الخ. ويطلبون في نفس الوقت نظما سياسية علي طريقة الدول الكافرة التي تحاربنا مثل الغرب وإسرائيل التي يرون أن حكومتنا لا تلعنها كل صباح هي وأمريكا بما يكفي!. أعرف سائقا لم ينل الإعدادية أنجب ثلاثة أبناء رفضت زوجته الجاهلة مثله أن يدخل الابن الأكبر التعليم الفني الذي يهواه فتعثر في الثانوية العامة وجلس في البيت. ثم استطاع الأب بواسطة من يعمل عنده كسائق أن يحصل علي وظيفة حكومية بجانب عمله كسائق خاص وأن يعين الأبناء الثلاثة مثله في وظائف وهمية يأخذون منها علاوات ومكافآت وأوفر تايم وما خفي كان أعظم. هكذا تمضي حياة ملايين من الشبان المصريين بمن فيهم أبناء الطبقة الوسطي من خريجي الجامعات يشكون أنهم لا يحققون ذواتهم.يعيشون الوهم ويطلبونه ويقبضون عليه باليد والأسنان لعله يتحقق.ما حدش بينام من غير عشا أو بيموت م الجوع. علي فكرة ولا الحيوان. لكن البشر يموتون بالجهل وهم أحياء.