عشرين عشرة هو اسم الدلع لهذه السنة التي انقضي منها ثلاثة أشهر تقريبًا ويبقي فيها تسعة أشهر أخري ربنا يعطينا ويعطيكم الصحة وطولة العمر وكما قال الشاعر: أنا بالأمل أسهر ليالي... إلخ.. إلخ. في هذه السنة كما سبق في غيرها من قبل تنقضي أيام وتصل إلينا أيام وعداد السرعة لا يتوقف هو وعداد العمر مع عدد لفات الموتور ودرجة الحرارة ومستوي الزيت بداخل القنوات المرارية والحويصلات الهوائية في جسم كل منا. وكلنا لها بالطبع وبالتالي لابد من المداومة علي القراءة تنفيذا لأول أمر إلهي لنا في القرآن الكريم وكذلك الاطلاع علي كل ما هو جديد حتي لا تفقد البوصلة الاتجاهات الأصلية والفرعية، والقراءة يمكن أن تكون باللغة العربية الفصحي وهي متوافرة في كتب التراث وفي الكتابات الرصينة للكتاب الكبار في العمر وفي المقام أيضًا ويمكن القراءة بغير اللغة العربية لمن استطاع إلي ذلك سبيلا. ولقد بدأنا القراءة عندما كانت كتب المطالعة مليئة بموضوعات طه حسين ومحمود العقاد وأحمد لطفي السيد مع دراسة قواعد اللغة والبلاغة وكل ما يساعد علي فهم الموضوعات المقروءة حتي بدأ التمرد عند قراءة مقالات التابعي وكتابات توفيق الحكيم وغيرهما، ثم زادت حدة الثورة بقراءة روايات نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وكتابات الجيل السابق أي مع تيار التجديد في الأسلوب. المهم في الموضوع أن الجيل الذي نحن من أتباعه يفضلونها بالفصحي في الكتابة والقراءة أما اللغة الدارجة فهي فقط من أجل قعدة القهوة وركوب الترام من العتبة إلي شبرا ومن التحرير للجيزة، اللغة الفصحي تشير إلي الشطارة في المدرسة والنجاح في امتحانات النقل، الفارق بيننا وبينهم هو استعمال اللغة الدارجة العامية والكتابة في حرية عريضة تتسع للشارع والمتر وسرير نوم العازب والقهوة في الحارة وكلام الباعة السريحة وحاملي صناديق البوية لتلميع أحذية السادة والعبيد ونصبة الشاي في ميدان عام، وكتاباتهم تقع في إطار الخواطر أو القصة القصيرة جدًا مثل لباس البحر في الغردقة. وأود لو تناولت حبوب الشجاعة وكتبت في لغة شوارعيزم عامية دارجة بها الكثير من الدقة والشطة مثل الحلبسة والكشري في ميدان السيدة ظهرا أو في ميدان الحسين بعد المغرب!!، الفارق بين العامية وبين الفصحي مثل القراءة المتأنية في عبقريات العقاد وبين تصفح مجلة البعكوكة وأبوابها الشهيرة للمصري أفندي وأم سحلول لقد اختفت تلك المجلة الفكاهية عند ظهور أبطال ساعة لقلبك. كانت الكتابة الساخرة هي ملعب روزاليوسف في عصرها الذهبي برغم وجود كتابات أخري علي الساحة في المطبوعات الشهيرة وقتها، كان العمدة محمود السعدني أطال الله بقاءه هو الولد الشقي الذي تخيلناه في مرحلة الصبا والشباب عندما ظهرت علي صفحات الجريدة ثم علي موجات الراديو من بعد، وقتها - أي منذ عام تسعة عشر ستين فما فوق قرأنا كل ما يكتبه أبو أحمد السعدني ومعه فريق معاون مثل المشاهير من جراحي القلب كان عصام حنفي وصلاح جاهين والساخر السكندري أحمد رجب والمرحوم محمد عفيفي، وقبلهم بزمان كان قطب الكتاب توفيق الحكيم من الساخرين الكبار ويكفيه ما قاله في يوميات نائب في الأرياف وحمار الحكيم ثم اختلطت السخرية باللامعقول في يا طالع الشجرة. كان الكاتب الكبير أحمد بهجت صاحب صندوق الدنيا من أعمدة الأدب الساخر ثم انتهي به المطاف في الكتابة الصوفية ولكن مازال قلمه يسوقه إلي السخرية عند كتابة حلقات كلمتين وبس للإذاعة. أما المضحكون الجدد هم فصيل من الكتاب الساخرين - الله يقطعهم - لديهم خلاصة خفة دم أهل مصر جميعًا ولديهم موروث كبير من الظرفاء السابقين واللاحقين والملاحظ أن مبيعات كتبهم فاقت التوقعات في كل من معرض القاهرة الدولي للكتاب وفي معرض الإسكندرية أيضًا، بل إن معظم تلك الكتب قد وصل عدد طبعاته إلي أكثر من عشر طبعات متتالية ونالت من النقد والتعليق الكثير. فعلي سبيل المثال اتفق معي في الرأي الروائي إبراهيم عبدالمجيد السكندري النشأة في كون هؤلاء الكتاب يعرضون أفكارهم وتجاربهم ببساطة وفي لغة سهلة وهم يخاطبون الشباب بموضوعاتهم والتي تعكس حالة اللامعقوليزم التي يعيشها الشباب والتخبط لذلك يلجئون للتورية والإسقاط. والجيل الجديد من الكتاب تفوق علي نفسه وعلي من سبقهم في الكتابة الساخرة من بينهم عمر طاهر وخالد الخميسي وأحمد الصباغ بل وأحسدهم جميعًا علي كمية الجرأة وعلي التلميحات والتصريحات والإسقاطات التي يضعونها أمامك وأنت وبختك يا مؤمن لو فهمت ثم ضحكت ثم قهقهت حتي تستلقي علي خلفياتك العليا والسفلي. منهم أحمد الصباغ له كتاب قرأته وأعجبني بعنوان "الضرب في الميت" وهو من ستة فصول دون ترتيب تستعرض شكل الحياة المصرية الجديدة، من أجمل ما قال عن لقمة العيش التي يسعي لها كل واحد وكتب ساخرا عن الأشياء التي توضع في الفم من المهد إلي مرحلة الكهولة، وعن علاقة الأفراح بأكل اللحمة. ومن أجمل الموضوعات الفتاوي الجديدة في هذا العصر، كما أن أشرف توفيق أيضًا من الكتاب الساخرين ولقد تصفحت ما قاله بعنوان "مبسوطة يا مصر" والذي أهداه إلي المواطن المصري البسيط الذي لا يعرف سوي عيش وزارة التضامن والذي ينتظر وعود الحكومة وغلبة المعارضة. ثم خالد الخميسي راكبا محترفا لكل تاكسي في القاهرة وأدمن التخاطب مع السائقين وسجل لهم وعليهم حواراتهم في حواديت المشاوير 17 ولقد قال الراحل عبدالوهاب المسيري إن من الصعب تصنيف الكتاب ولكنه عمل إبداعي أصيل به متعة فكرية حقيقية. عمر طاهر له أكثر من قصة وسيناريو لأفلام ضاحكة وله نفس الأسلوب الساخر والمعاني التي تبعث علي الضحك المر، قرأت له كتابين أولهما هو "شكلها باظت" وهو ألبوم اجتماعي ساخر، والثاني هو ابن عبدالحميد الترزي وهو أيضًا ألبوم اجتماعي ساخر، الكتاب الأول يوضح فيه الكاتب انتماءه للجيل الذي عاش البدايات مع السندباد وبرنامج العلم والإيمان ونادي السينما وتاكسي السهرة والقناتين الأولي والثانية فقط، وشاهد برنامج العالم يغني وكذلك فوازير نيللي ثم هدم حائط برلين واغتيال السادات وموت ياسر عرفات، كما أنه استعرض السينما المصرية في مائة عام استنادًا إلي قوله أن السينما هي سجل التاريخ بالصوت والصورة وقد قام بتقسيم المراحل إلي ما قبل الثورة ثم ما قبل النكسة ثم ما بين النكسة والعبور ثم ما بعد حرب أكتوبر وما بعد اغتيال الرئيس وما بعد حرب الخليج، مع عرض للأفلام الدينية والحربية وغيرها، لذلك نجد أن عشرين عشرة تفوقت علي الستينيات من تسعتاشر؟!