حتي بعدما ردت المحكمة الدستورية العليا علي أسئلة أحيلت عليها من مجلس الوزراء في شأن بعض مواد قانون مجلس الدولة علي خلفية مسألة تعيين النساء في المجلس مازلنا واقعين في "حيص بيص"، وكان مضحكاً جداً أن عناوين الصحف في اليوم التالي لصدور تفسير المحكمة الدستورية حملت تفسيرات متضاربة للتفسير واحتاجت الصحف إلي مفسرين كي يفسروا للقراء ما كتبته، هللت بعض الصحف لتفسير المحكمة الدستورية واعتبرته انتصاراً للمرأة وأكدت أن النساء أصبحن لهن الحق في التعيين في مجلس الدولة، بينما ذهبت صحف أخري الي أن الكرة أصبحت في ملعب المجلس الخاص لمجلس الدولة، واحبطتنا صحف ثالثة واخبرتنا أن القضية ما زالت معلقة وأن التفسير لم يفسر شيئاً لصالح أي طرف. أما برامج الفضائيات التي اجتهدت في اليوم نفسه في تفسير القضية واستضافت خبراء قانونيين وشخصيات عامة وناشطات يقفن خلف حملة تعيين النساء في القضاء الإداري كلها لم تتفق علي تفسير واحد للتفسير الدستوري، وبات علي المشاهد في نفس الليلة وعلي القارئ في اليوم التالي أن يستفتي عقله وأن يختار من بين التفسيرات ما يتواءم مع ميوله ورغباته وأمنياته. عموماً سيعقد المجلس الخاص اجتماعاً بعد أيام ويا خبر بفلوس "بكره" يبقي "ببلاش" وسيظهر التفسير الصحيح لتفسير المحكمة الدستورية ونرتاح من تلك القضية التي أقحمت علينا. لم تكن تلك المرة الأولي التي تحتار فيها مسائل الإعلام في تفسير تفسيرات أخري خصوصاً في مسألة مجلس الدولة وتعيين النساء، فعندما رفضت الجمعية العمومية للمجلس تعيين النساء وكان رئيس المجلس هو الاستثناء الوحيد واجتمع المجلس الخاص وانتهي غالبية أعضائه إلي رفض التعيين دار "اللت والعجن" وانتشرت المكالمات وغطت علي الأهواء أو الاثارة الموضوعية وبدا أن الهدف هو مجرد الحديث عن الموضوع دون أن يصل الناس الي الخلاصة، وبدت مواقف الأطراف الفاعلة في القضية مهتمة بالتأثير في القضية أكثر بكثير من الوصول الي حقيقة الموضوع ومغزي الخلاف حوله فوصل كل طرف الي النتيجة التي يرغب فيها وليس الي الحقيقة. أما الناس الذين لا علاقة لهم بالموضوع ويراقبون ما يجري فغالبيتهم لم يصلوا الي جوانبه المختلفة وبالتالي احتاروا بين التفسيرات التي تحتاج الي من يفسرها. في السياق نفسه ما زلنا حتي الآن لا نعرف علي وجه اليقين ما إذا كان الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بحث في مسألة الاعتداءات علي الجمهور المصري في مدينة أم درمان أم لا فلا رئيس الاتحاد المصري السيد سمير زاهر أو أي من أعضاء الاتحاد أو أقطاب المجلس القومي للرياضة افهمنا ماذا جري في الاجتماع الذي عقدته لجنة الانضباط والاتحاد الدولي أخيراً حول التوتر بين مصر والجزائر، وما إذا كانت اللجنة ناقشت فقط الاعتداء علي حافلة اللاعبين الجزائريين في القاهرة أم أيضاً ما جري في السودان، لم نعرف ولا اعتقد أننا سنعرف الحقيقة، لأن من اخطأوا لا يريدون الاعتراف بخطأ ويتعاملون مع القضية بأسلوب "النعام" ويعتقدون أن عدم الحديث في بعض الأمور يعني أنها لا تحدث أو أن الناس لن تدري بها، وكأن الأمر يخص زاهر وحده، وحين يصدر قرار اللجنة فإننا سندخل في المتاهة نفسها ونبدأ في تفسير القرار، وستظهر تفسيرات متعددة لقرار واحد. تماماً كما حدث عند تفسير الاخبار التي تداولتها وسائل الإعلام بعد اجتماع لجنة الانضباط. ذكرتني تلك الوقائع بأمور مماثلة صارت تراثاً في حياة المصريين كما حال السحابة السوداء التي تظهر لنا كل سنة، وتظهر معها عشرات التفسيرات دون أن تصل الي تفسير علمي محدد يتفق عليه الجميع، وكذلك حالات الإغماء التي تنتاب طالبات المدارس كل فترة ويفسرها أصحابنا تفسيرات غير علمية ولا معملية ولا فذة فتمر دون أن نعرف أسبابها. قد تتلون الأخبار والمعلومات لأسباب سياسية أو أمور شخصية لكن أن تطمس الحقائق أو يحتار المتخصصون في تفسير ما هو مفسر أصلاً فليس أمامنا أي حل ما عدا أن نجتهد مرة أخري في البحث عن تفسيرات أخري تحتاج هي الأخري أن نفسرها.