لم يكن الأعضاء المؤسسون للأكاديمية الأمريكية لفنون وعلوم السينما (36 شخصًا فقط اجتمعوا عام 1927) يعرفون أنهم سيقدمون جائزة ستصبح الأشهر، وفي عالم السينما وهي جائزة الأوسكار التي ستعلن تفصيلاتها لهذا العام في احتفال ضخم يُقام مساء اليوم السابع من مارس، ولم يكن المنظمون للحفل الأول في تاريخ هذه الجائزة الذي أقيم في مايو 1929 بعد ثلاثة أشهر من الإعلان عن أسماء الفائزين يعرفون أنهم يدشنون أحد أهم الاحتفالات بالعاملين في الفن السابع، التي تمت ترجمة الاهتمام بها في شكل مشاهدة الملايين لها حول العالم، وكانت التغطية التليفزيونية لجوائز الأوسكار قد بدأت متواضعة في عام 1953 ثم أصبحت يومًا بعد يوم، وعامًا بعد عام من أبرز أحداث السنة التي تنقلها تليفزيونات الدنيا علي الهواء مباشرة. الأوسكار مسابقة لاختيار الأفضل علي مستوي الأفلام الأمريكية بالدرجة الأولي، ولكنها أصبحت اليوم مهرجانًا عالميًا بامتياز، ورغم أن الاختيار للأعمال الأفضل فنيًا إلاّ أن الحدث له جانبه التجاري سواء في استثمار فوز الأفلام في مجال الدعاية داخل وخارج أمريكا، أو في زيادة أسعار النجوم والنجمات الفائزين بالجوائز، وبعد أن ظلت التصفية الأخيرة للأفلام تقتصر علي خمسة أفلام فقط تتنافس علي جائزة أفضل فيلم، إلاّ أن جوائز الأوسكار لعام 2010 تشهد زيادة الأفلام المتنافسة علي الفوز بجائزة أفضل فيلم إلي عشرة أفلام، مما يوسع قاعدة الاستفادة من المناسبة تجاريًا وفنيًا، والأفلام العشرة المتنافسة هي: آڤاتار والجانب الأعمي والمقاطعة رقم 9، وتعليم وخزانة الألم وأوغاد صعاليك وثمين ورجل جاد وفي الأعالي وعاليًا في الهواء، ويلاحظ علي هذه القائمة وجود فيلم تحريك يتنافس علي الجائزة وهو فيلم up أو في الأعالي بالإضافة إلي تنافسه علي جائزة أفضل فيلم تحريك مع أفلام من نفس نوعه، وقد شاهدت من هذه الأفلام العشرة أربعة أفلام عرضت تجاريًا في الصالات المصرية، وكتبت عنها علي صفحات روزاليوسف، والأفلام هي: آڤاتار، وأوغاد صعاليك وفي الأعالي، وعاليًا في الهواء، وإذا كان آڤاتار الذي تجاوزت إيراداته حتي الآن أكثر من 2 مليار دولار فيلما متميزًا يطرح فكرة الحلم بإنسان أكثر إنسانية وإحساسًا بالآخر وبالبيئة المحيطة به، ويعتمد علي جيش من مبدعي الصورة والديكور والمؤثرات السمعية والبصرية، فإن فيلم أوغاد صعاليك عمل كبير رائع يطلق الخيال لمؤامرة مفترضة للتخلص من هتلر زعيم النازية أثناء حضوره لأحد الأفلام، وينتهي إلي التخلص منه ومن رجاله إلي الأبد قبل نهايته المعروفة بالانتحار، وفي حين يقدم فيلم التحريك في الأعالي أنشودة حب للمغامرة في صورة لقاء بين رجل عجوز وطفل صغير ثرثار يجتمعان في رحلة إلي جبال أمريكا الجنوبية عبر منزل تحمله البالونات الملونة، فإن فيلم عاليا في الهواء أو up in the air ينتقد بذكاء الأحلام الأمريكية الساذجة التي تحوِّل العالم إلي أرقام، وتتجاهل أن حياتنا مشاعر وأحاسيس ولحظات حب صادقة. من حيث عدد الجوائز المرشح لها كل فيلم يتصدر القائمة Avatar، وخزانة الألم أو The Hurt locker برصيد تسعة ترشيحات لكل منهما، والفيلمان مختلفان تمامًا شكلاً ومضمونًا كما أن المفارقة جعلت الفيلم الأول من إخراج جيمس كاميرون والفيلم الثاني من إخراج زوجته السابقة كاترين بيجلو التي تسرد معاناة جنود أمريكيين يكافحون الألغام في العراق، وقد انتزع كاميرون جائزة أفضل فيلم درامي وأفضل مخرج في مسابقة الكرة الذهبية، فهل تنجح زوجته السابقة في الرد في جوائز الأوسكار؟ أما عن المستوي الفني لخزانة الألم فلا يمكن الحكم عليه إلا بالمشاهدة. أما أوغاد صعاليك فقد رشح لثماني جوائز أوسكار، وحصل ثمين أو precious علي 6 ترشيحات مثل عاليا في الهواء بينما حصد UP خمسة ترشيحات، وحصل علي 4 ترشيحات أفلام المقاطعة 9 وفيلم 9 وفيلم Star trek والحقيقة أن فيلم 9 للمخرج روب مارشال كان يستحق بجدارة المنافسة علي جائزة أفضل فيلم، وقد عرض تجارياً بالقاهرة تحت عنوان 9 نساء، وهو الصياغة الموسيقية والاستعراضية لرائعة فيلليني المعروفة ثمانية ونصف. وبالإضافة إلي جيمس كاميرون وكاترين بيجلو يتنافس علي أوسكار أفضل مخرج كل من المدهش كوانتين نارانتينو عن أوغاد صعاليك وجيسون ريتمان عن عاليا في الهواء ولي دانييلز عن فيلم ثمين الذي لم أشاهده، تارانتينو نجح بامتياز في تقديم عمل قوي ومؤثر لدرجة تجعلك تشك في التاريخ الحقيقي الذي يقول إن هتلر مات منتحراً وليس عن طريق قنبلة، أما ريتمان فقد نجح في تقديم عمل جيد يرسم شخصياته بقوة ونجح أيضاً في إدارة ممثليه الثلاثة لدرجة ترشحهم لجائزة أحسن ممثل وأحسن ممثلة مساعدة، ومن تصرفاته الذكية كمخرج في عاليا في الهواء استخدام عدسة الزوم لإعطاء انطباع الجو العائلي عند زيارة بطل الفيلم لأخته العروس، كأن المناسبة تنقل من خلال عين كاميرا فيديو منزلية. جوائز أفضل ممثل يتنافس عليها جورج كلوني عن دوره الغريب كموظف متخصص في ابلاغ المفصولين بخبر فصلهم في فيلم عاليا في الهواء، ولكنه يتعرض لمنافسة شرسة من جيف بريدجز عن دوره في فيلم قلب مجنون، وقد حصل جيف علي الكرة الذهبية عن هذا الدور، وهناك أيضاً منافسون من طراز المخضرم مورجان فريمان عن دوره في فيلم invictus وجيرمي رينر« عن خزانة الألم وكولين فيرث عن فيلم رجل عازب. جائزة أفضل ممثلة تشهد أيضاً أسماء كبيرة مثل ميريل ستريب عن دورها في جولي وجوليا، وهيلين ميرين عن المحطة الأخيرة والعائدة بقوة ساندرا بولوك عن الجانب الأعمي، بالإضافة إلي كاري موليجان عن فيلم تعليم وجابوري سيدبي عن فيلم ثمين، وقد حصلت ميريل ستريب علي جائزة الكرة الذهبية عن دورها في جولي وجوليا. يمكنني بشكل خاص أن أعلن عن حماسي الكبير للمثل كريستوف والتز للفوز بأوسكار أحسن ممثل مساعد عن دور المحقق النازي صائد اليهود في فيلم أوغاد صعاليك، ولكن الحكم لن يكون متكاملاً إلا عندما نشاهد منافسيه علي نفس الجائزة وهم مات ديمون عن invictus وودي هاولسون عن The messenger وكريستوفر بلامر عن المحطة الأخيرة، وستانلي توتشي عن العظام المحبوبة، ورغم إعجابي بدور بنيلوبي كروز في شخصية العشيقة الفاتنة والمسكينة في فيلم تسعة، فإنها تتعرض لمنافسة شرسة من نجمتي فيلم عاليا في الهواء وهما آنا كيندريك وفيرافا ميجا، وفي قائمة المنافسة الشرسة مونيك عن فيلم ثمين وهي التي حصلت علي الكرة الذهبية عن نفس الدور، بالإضافة إلي ماجي جيلينهال عن دورها في قلب مجنون، كل هؤلاء تتنافس بشراسة علي جائزة أفضل ممثلة مساعدة.. وفي فئة أفضل فيلم أجنبي تتنافس خمسة أفلام هي: الفيلم الألماني الشريط الأبيض للمخرج مايكل هانكي والفيلم الفرنسي رسول للمخرج جاك أوديارد، والفيلم الإسرائيلي عجمي إخراج إسكندر كويتي ويوران شاني، والفيلم الشيلي حليب الأسي للمخرجة كلوديا لوسا والفيلم الأرجنتيني السر في عيونهم شاهدت فيلمي الشريط الأبيض الذي حصل علي الكرة الذهبية لأفضل فيلم أجنبي، والجائزة الكبري لمهرجان كان، وفي رأيي أنه أفضل كثيراً من الفيلم الثاني المرشح الذي شاهدته وهو رسول، الذي يستعرض معاناة وحياة سجين من شمال أفريقيا يدعي مالك حائر بين الانتماء إلي عصابة إيطالية للمافيا، وعصابة من أبناء وطنه يمارسون العنف والإرهاب، الإخراج في رسول جيد ومتميز، ولكنه لا يختلف كثيراً عن عشرات الأفلام التي تدور أحداثها في السجون، أما الشريط الأبيض الذي رشح أيضاً للمنافسة علي أوسكار أفضل تصوير فهو أكثر عمقاً وإحكاماً، بل تستطيع أن تعتبره شاهداً علي العصر الذي يحلله ببراعة وهي السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولي، كما أنه أكثر قوة في إدانة إخفاء الحقيقة وقهر الأجيال الجديدة باسم التربية والتعليم. (في كل الأحوال)، لن ننتظر طويلاً حتي نعرف نتيجة الأوسكار، هذا المساء سيحصل الكثيرون علي التمثال الصغير الذي قد يغير حياتهم إلي الأبد، وفي المقابل قد تظهر دموع الحزن في عيون الكثيرين انتظروا هذه اللحظة التي يعلن فيها اسمهم مقروناً بالجائزة الشهيرة، كل شيء خاضع للاحتمالات، ولكن المؤكد أن السينما الأمريكية تكسب دائماً حتي لو ربح البعض وخسر آخرون، لابد من الاعتراف أيضاً بأنها السينما الأنجح في العالم في التقريب بين الفيلم الفني والفيلم التجاري، وكثير من الأفلام الفائزة بالأوسكار هي الدليل الحي علي تحقيق هذه المعادلة.